كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 128 """"""
ذكر خبر شاه ملك التركي ودخوله إلى إفريقية وغدره بيحيى بن تميم
كان شاه ملك هذا من أولاد بعض أمراء الأتراك ببلاد المشرق فناله في بلده أمر أخرجه عنها . فخرج وسار إلى مصر في مائة فارس . فأكرمه الأفضل أمير الجيوش ووصله وأعطاه إقطاعاً ومالاً . ثم بلغه عنه أشياء أوجبت حبسه هو وأصحابه . وجرى بمصر أمر فخرج شاه ملك هو وأصحابه هاربين ، واحتالوا في خيل وعدة .
وتوجهوا إلى المغرب فوصلوا إلى طرابلس المغرب وأهل البلد كارهو لواليها . فأدخلوهم البلد وأخرجوا الوالي . فصار شاه ملك أمير البلد . فبلغ تميم الخبر فأرسل العساكر فحصروها وفتحوها وأخذوا شاه ملك ومن معه إلى المهدية . فسر بهم تميم وقال : قد ولد لي مائة ولد أنتفع بهم . وكانوا لا يخطيء لهم سهم . فلم تطل الأيام حتى جرى منهم أمر غير تميماً عليهم . فعلم شاه ملك ذلك ، وكان صاحب دهاء وخبث . فلما كان في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، خرج يحيى بن تميم إلى الصيد ومعه شاه ملك ومن معه . وكان أبوه قد تقدم إليه ألا يقربه فلم يقبل منه . فلما أبعدوا في طلب الصيد ، غدر به شاه ملك ، وقبض عليه ، وسار به وبمن أخذ من أصحابه إلى حمو بن مليل صاحب مدينة سفاقس . فركب حمو وخرج للقاء يحيى بن تميم . وترجل وقبل يده ومشى في ركابه وعظّمه واعترف له بالعبودية . وأقام عنده أياماً ولم يذكره أبوه بكلمة واحدة . وكان قد جعله ولي عهده ، فلما أخذ أقام أبوه مقامه ابنا آخر اسمه مثنى .
قال : ثم إن صاحب سفاقس خاف يحيى على نفسه أن يثور معه الجند وأهل البلد فيملكوه عليهم ، فكتب إلى تميم يسأله إنفاذ الأتراك وأولاده إليه ليرسل إليه ابنه يحيى . ففعل ذلك بعد امتناع كثير . وقدم يحيى فحجبه أبوه عنه مدة . ثم رضي عنه وأعاده وجهزه إلى سفاقس بجيش فحصرها براً وبحراً مدة شهرين . فخرج الأتراك عنها إلى قابس .
ذكر خلافة مثنى بن تميم على أبيه
قال : كان سبب ذلك أن تميم بن المعز لما رضي عن ابنه يحيى وأعاده إلى ولاية عهده ، عظم ذلك على المثنى وداخله الحسد فلم يملك نفسه . فنقل إلى أبيه عنه ما غير قلبه عليه . فأمر بإخراجه من المهدية بأهله وولده وعبيده . فركب في البحر إلى سفاقس ، فلم يمكنه عاملها من الدخول إليها .

الصفحة 128