كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 129 """"""
فقصد مدينة قابس ، فلقيه الثائر بها مكن بن كامل الدهماني فأنزله وأكرمه . فحسن له مثنى الخروج معه إلى سفاقس والمهدية وأطمعه فيها ، وضمن له بالإنفاق على الجند من ماله . فجمع ما أمكنه جمعه . وسارا إلى سفاقس ومعهما شاه ملك التركي وأصحابه فنزلوا على سفاقس وقاتلوا من بها فبلغ تميماً الخبر فجرد إليها جنداً من الرماة . فلما علم المثنى ومن معه أنهم لا طمع لهم فيها تركوها . وقصدوا المهدية فنزلوا عليها وقاتلوا . فتولى قتالهم بها يحيى بن تميم وظهر من شدته وصبره وحزمه وحسن تدبيره ما استدل به على نجاح أمره وحسن عاقبته . ولم يبلغ أولئك منها غرضاً فعادوا وقد تلف ما كان مع المثنى من مال وغيره .
ذكر ملك تميم مدينة قابس
وفي سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، ملك تميم مدينة قابس ، وأخرج منها أخاه عمرو بن المعز . وكان أهلها ولّوه عليها بعد موت قاضي ابن إبراهيم بن بلمويه . فلم يحسن عمرو السياسة ولا نهض بشرط الولاية . وكان قاضي بن إبراهيم عاصياً على تميم ، وتميم يعرض عنه . فسلك عمرو طريقته في العصيان ، فأخرج تميم العساكر إلى أخيه ليأخذ قابس منه . فقال له أصحابه : يا مولانا ، لما كان فيها قاضي توانيت عنه وتركته ، فلما ( صلى الله عليه وسلم ) أمرها إلى أخيك جردت إليه العساكر فقال : لما كان فيها عبد من عبيدنا كان زواله سهلاً علينا . وأما الآن فابن المعز بالمهدية وابن المعز بقابس . هذا لا يمكن السكوت عليه .
وفي فتحها يقول ابن خطيب سوسة قصيدته المشهورة التي أولها :
ضحك الزمان وكان يلفى عابسا . . . لما فتحت بحد سيفك قابسا
أنكحتها بكرا وما أمهرتها . . . إلا قنا وصوارما وفوارسا
الله يعلم ما جنيت ثمارها . . . إلا وكان أبوك قبل الفارسا
من كان بالسّمر العوالي خاطبا . . . جليت له بيض الحصون عرائسا
فأبشر تميم بن المعز بفتكة . . . تركتك في أكناف قابس قابسا
ولّوا فكم تركوا هناك مصانعا . . . ومقاصرا ومخالدا ومجالسا
فكأنها قلب وهنّ وساوس . . . جاء اليقين فذاد عنه وساوسا

الصفحة 129