كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 13 """"""
محراب المسجد . فانقطع التكبير فركز لواءه وقال : هذا محرابكم . ثم أخذ الناس في بنيان الدور والمساكن والمساجد فعمرت . وكان دورها ثلاثة آلاف باع وستمائة باع . فكملت في سنة خمس وخمسين . وسكنها الناس وعظم قدرها . وكان في موضع القيروان حصن لطيف للروم يسمى قمونية .
قال : ودبر عقبة أمر إفريقية أحسن تدبير إلى أن عزل معاوية ابن أبي سفيان معاوية بن حديج عن مصر وولي مسلمة بن مخلّد الأنصاري مصر وإفريقية .
ذكر ولاية مسلمة بن مخلد
قال : ولما وصل مسلمة إلى مصر ، استعمل إلى إفريقية مولى له يقال له ديناراً ويكنى أبا المهاجر ، وذلك في سنة خمس وخمسين وعزل عقبة . فلما وصل كره أن ينزل بالموضع الذي اختطه عقبة ، فنزل عنه بمسافة ميلين . واختط مدينة وأراد أن يكون له ذكرها ويفسد ما عمله عقبة . فسماها البربر تيكيروان . فأخذ في عمارتها . وأمر الناس أن يخربوا القيروان ويعمروا مدينته .
وتوجه عقبة مغضبا إلى معاوية بن أبي سفيان . فقال له : إني فتحت البلاد ، ودانت لي ، وبنيت المساجد ، واتخذت المنازل ، وأسكنت الناس . ثم أرسلت عبد الأنصار فأساء عزلي فاعتذر إليه معاوية وقال : قد رددتك إلى عملك والياً . وتراخى الأمر حتى توفي معاوية وولي يزيد ابنه . فلما علم حال عقبة غضب وقال : أدركها قبل أن تهلك وتفسد . ورده والياً على إفريقية .
ذكر ولاية عقبة بن نافع ثانية
قال : وكانت ولايته في سنة اثنتين وستين ، فسار من الشام . فلما مر على مصر ، ركب إليه مسلمة بن مخلد وسلم عليه ، واعتذر من فعل أبي المهاجر ، وأقسم بالله لقد خالفه فيما صنع . فقبل عقبة عذره . ومضى مسرعاً حتى قدم إفريقية . فأوثق أبا المهاجر في الحديد ، وأمر بخراب مدينته ، ورد الناس إلى القيروان . ثم عزم على الغزو وترك بالقيروان جنداً وعليهم زهير بن قيس ودعا أولاده فقال لهم : إني بعت نفسي من الله تعالى بيعاً مربحاً أن أجاهد من كفر حتى ألحق بالله . ولست أدري أتروني بعدها أو أراكم ، لأن أملي الموت في سبيل الله . ثم قال : عليكم سلام الله ، اللهم تقبل مني نفسي في رضاك .

الصفحة 13