كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 131 """"""
فعمد إخوة المقتول فقتلوا أميراً من بني عدي . فقامت الحرب بينهم واشتد القتال ، وكثرت القتلى بينهم حتى أخرجوا بني عدي من إفريقية ، وبلغ تميم فيهم ما يريد . وكان يوقع بالشعر الحروب بين العرب فبلغ بلسانه ما لم يبلغه بسنانه .
ومن أخباره في رعيته وشفقته عليهم ما حكى أنه اشترى جارية بثمن كثير . فبلغه أن مولاها الذي باعها ذهب عقله وأسف على فراقها . فأحضره تميم إلى بين يديه وأرسل الجارية إلى داره ومعها من الكسوة والأواني والفضة والطيب شيئاً كثيراً . ثم أمر مولاها بالانصراف وهو لا يعلم بذلك . فلما وصل إلى داره ورآها بمنزلة سقط إلى الأرض وغشى عليه لكثرة ما ناله من السرور . ثم أفاق وأصبح من الغد فحمل الثمن وجميع ما كان معها إلى دار تميم . فغضب وانتهره وأمره بإعادة ذلك إلى داره . وهذه نهاية في الجود ، وغاية في الكرم والشفقة والإحسان .
وكان له في البلاد أصحاب أخبار يطالعونه بأخبار الناس لئلا يظلموا .
قال : وخلّف من النبين مائة ، ومن البنات ستين .
ولما مات رحمه الله ولي بعده ابنه يحيى .
ذكر ولاية يحيى بن تميم بن المعز بن باديس ابن المنصور يوسف بن زيري
كانت ولايته عند وفاة أبيه تميم في يوم السبت النصف من شهر رجب سنة إحدى وخمسمائة ، ومولده بالمهدية في يوم الجمعة لأربع بقين من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وأربعمائة . ولما ولي عم أهل دولته من الخواص والجند بالخلع السنية ، ووهب الأجناد والعبيد أموالاً كثيرة .
وفي هذه السنة ، جرد عسكراً إلى قلعة اقليبية ، وهي من أحصن قلاع إفريقية . وقدّم عليهم الشريف علي الفهري . فنزل عليها وحاصرها حصاراً شديداً ففتحها . وكان تميم قد رامها فلم يقدر على فتحها .
وفي سنة اثنتين وخمسمائة ، وصل إلى المهدية ثلاثة نفر غرباء . فكتبوا إلى يحيى يقولون إنهم يعملون الكيمياء . فأحضرهم عنده وأمرهم أن يعملوا شيئاً من صناعتهم . وأحضر هلم ما طلبوه من صناعتهم ، وأحضر لهم ما طلبوه من آلة وغيرها . وقعد معهم

الصفحة 131