كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 136 """"""
المراكب بجهاتها . فقاتل أهلها قتالاً شديداً فقتل منهم خلق كثير وانهزموا . وملكها الفرنج ، وغنموا الأموال ، وسبوا الناء والأطفال . وهلك أكثر رجالها ، وعاد من بقي منهم فأخذوا لأنفسهم أماناً من صاحب صقلية وافتكوا أسراهم وسبيهم .
ذكر ملك الفرنج مدينة طرابلس
وفي أيامه ملك الفرنج مدينة طرابلس الغرب ، وذلك في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة . وسبب ذلك أن رجار صاحب صقلية جهز أصطولاً كثيراً وسيره إليها . فأحاطوا بها براً وبحراً في ثالث المحرم من السنة . فقاتلهم أهلها ودامت الحرب بينهم ثلاثة أيام . فلما كان في اليوم الثالث سمع الفرنج صيحة عظيمة في البلد وخلت الأسوار من المقاتلة . وكان سبب ذلك أن أهل طرابلس كانوا قبل وصول الفرنج بأيام يسيرة قد اختلفوا . وأخرجت بنو مطروح طائفة . وقدموا على أنفسهم رجلاً من الملثمين كان قد قدم يريد الحج ومعه جماعة ، فولوه أمرهم . فلما نازلهم الفرنج ، أغارت تلك الطائفة على بني مطروح . فوقعت الحرب بين الطائفتين وخلت الأسوار . فانتهز الفرنج الفرصة ، ونصبوا السلالم ، وصعدوا على السور ، وملكوا المدينة . فسفكوا دماء أهلها ، وسبوا نساءهم ونهبوا أموالهم . وهرب من قدر على الهرب والتجئوا إلى البربر والعرب . ثم نودي بالأمان للناس كافة . فرجع كل من فر منها . وأقام الفرج ستة أشهر حتى حصنوا أسوارها وحفروا خندقها . وعند رجوعهم أخذوا رهائن أهلها والملثم وبني مطروح ثم أعادوا رهائنهم واستقام أمر المدينة وعمرت سريعاً .
ذكر استيلاء الفرنج على المهدية
وسفاقس وسوسة
كان استيلاء الفرنج على ذلك في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، وذلك أن الغلاء تتابع في جميع بلاد المغرب من سنة سبع وثلاثين إلى هذه السنة ، وكان أشده في سنة اثنتين وأربعين ، فإن الناس فارقوا البلاد ، ودخل أكثرهم إلى جزيرة صقلية ، وأكل الناس بعضهم بعضاً ، وكثر الفناء . فاغتنم رجار ملك صقلية هذه الفرصة ، وعمر أصطولاً نحو مائة وخمسين شينياً ، وشحنها بالرجال والعدد . وساروا إلى جزيرة

الصفحة 136