كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 137 """"""
قوصرة - وهي بين المهدية وصقلية - فصادفوا بها مركباً وصل من المهدية . فأخذ أهله وأحضروا بين يدي جرجي مقدم الأصطول ، فسألهم عن حال إفريقية . ووجد في المركب قفص حمام . فأمر الرجل الذي كان الحمام صحبته أن يكتب بخطه : إننا لما وصلنا إلى قوصرة وجدنا بها مراكب من صقلية . فسألناهم عن الأسطول المخذول ، فذكروا أنه أقلع إلى القسطنطينية . وأطلق الحمام فوصل إلى المهدية فسر الأمير والناس ، وأراد جرجى بذلك أن يصل بغتة .
ثم سار الأصطول من قوصرة إلى المهدية في ثاني صفر فأرسل مقدم الأسطول إلى الحسن يقول : إنا لم نأت إلا طلباً بثأر محمد بن رشيد صاحب قابس ورده إليها . وكان قد أخرج منها وبينه وبين الفرنج مودة ومصالحة . وأما أنت فبيننا وبينك عهود ومواثيق إلى مدة ، ونريد منك عهوداً ومواثيق إلى مدة . ونريد منك عسكراً يكون معنا .
فجمع الحسن الناس من الفقهاء والأعيان وشاورهم . فقالوا : نقاتل عدونا فإن بلدنا حصين . فقال : نخشى أن ينزلوا إلى البر ، ويحصرونا براً وبحراً ، وتنقطع الميرة عنا وليس عندنا ما يقوم بنا شهراً واحداً . وأنا أرى سلامة المسلمين ، من القتل والأسر خيراً من الملك . وقد طلب مني عسكراً إلى قابس ، فإن فعلت فما يحل إعانة الكفار علىالمسلمين ، وإن امتنعت يقول : انتقض ما بيننا من الصلح . وليس لنا بقتاله طاقة . والرأي عندي أن نخرج بالأهل والولد ، ونترك البلد . فمن أراد أن يفعل كفعلنا فليبادر معنا . وأمر في الحال بالرحيل وأخذ معه ما خف حمله وخرج ، وتبعه الناس على وجوهم بأهلهم وأولادهم وما خف من أموالهم وأثاثهم . ومن الناس من اختفى عند النصارى وفي الكنائس هذا والأسطول في البحر يمنعه الريح من الوصول إلى المدينة . فما مضى ثلثا النهار حتى لم يبق بالبلد ممن عزم على الخروج أحد .
ودخل الفرنج البلد بغير مانع ولا مدافع . ودخل جرجي القصر فوجده على حاله لم يأخذ منه الحسن شيئاً إلا ما خف من ذخائر الملوك . ووجد فيه عدة من حظاياه . ورأى الخزائن مملوءة من الذخائر النفيسة ، ومن كل شيء غريب فختم عليه . وجمع سراري الحسن في قصر . ولما ملك المدينة نهبت مقدار ساعتين ثم نودي بالأمان . فخرج من كان مستخفياً . وأصبح جرجي من الغدر ، فأرسل إلى من قرب من العرب فدخلوا البلد . فأحسن إليهم وأعطاهم أموالاً جزيلة . وأرسل أماناً إلى من خرج من المهدية ، ودواب يحملون عليها الأطفال فرجعوا .

الصفحة 137