كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 14 """"""
ومضى في عسكر عظيم حتى أشرف على مدينة باغاية ، وقاتل أهلها قتالاً شديداً ، وأخذ لهم خيلاً لم ير المسلمون في مغازيهم أصلب منها . ودخل الروم حصنهم .
فكره عقبة أن يقيم عليه . فمضى إلى لميش ، وهي من أعظم مدن الروم . فلجأ إليها من كان حولها منهم . وخرجوا إليه وقاتلوه قتالاً شديداً حتى ظن الناس أنه الفناء . فهزمهم وتبعهم إلى باب حصنهم وأصاب غنائم كثيرة .
وكره المقام عليها فرحل إلى بلاد الزاب . فسأل عن أعظم مدائنهم قدراً فقالوا : مدينة يقال لها أربة فيها الملك ، وهي مجمع ملوك الزاب ، وحولها ثلاثمائة قرية وستون قرية كلها عامرة . فلما بلغهم أمره لجئوا إلى حصنهم ، وهرب بعضهم إلى الجبال والوعر . فنزل عليها وقت المساء . فلما أصبح أمر بالقتال فكانت بينهم حروب حتى يئس المسلمون من الحياة . فأعطاه الله الظفر . فانهزم القوم وقتل أكثر فرسان الروم . وذهب عزهم من الزاب وذلوا آخر الدهر .
ورحل حتى نزل تاهرت . فلما بلغ الروم خبره ، استعانوا بالبربر فأجابوهم ونصروهم . فقام عقبة وخطب الناس وحرضهم على القتال والتقوا واقتتلوا فلم يكن للروم والبربر طاقة بقتالهم . فقتلهم قتلاً ذريعاً وفرق جموع الروم عن المدينة .
ثم رحل حتى نزل طنجة . فلقيه رجل من الروم يقال له إيليان وكان شريفاً في قومه . فأهدى إليه هدية حسنة ولاطفه ونزل على حكمه . فسأله عن بحر الأندلس . فقال : إنه محفوظ لا يرام . فقال : دلني على رجال البربر والروم . فقال : قد تركت الروم خلفك وليس أمامك إلا البربر . وفرسانهم في عدد لا يعلمه إلا الله تعالى وهم أنجاد البربر وفرسانهم . فقال عقبة : فأين موضعهم ؟ قال : في السوس الأدنى ، وهم قوم ليس لهم دين ، يأكلون الميتة ، ويشربون الدم من أنعامهم . وهم أمثال

الصفحة 14