كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 140 """"""
مجلسه من علم الشريعة . فأحب سماعه وأناب إليه قلبه . ثم استمر في وجهته إلى الحج وقد أثر ذلك في نفسه . فلما حج وانصرف قصد المسجد الذي كان فيه الفقيه ، وسمع الكلام فيا تقتضيه ملة الإسلام من الفرائض والسنن والأحكام . فقال الجوهر : يا فقيه ، ما عندنا في الصحار من هذا الذي تذكرونه شيء إلا الشهادتين في العامة ، والصلاة في بعض الخاصة . فقال الفقيه : فاحمل معك من يعلمهم عقائد ملتهم وكمال دينهم . فقال له الجوهر : فابعث معي أحد الفقهاء ، وعلي حفظه وبره وإكرامه . وكان للفقيه ابن أخ اسمه عمر ، فقال له : اذهب مع هذا السيد إلى الصحار فعلّم القبائل بها ما يجب عليهم من دين الإسلام ، ولك الثواب الجزيل من الله عز وجل ، والذكر الجميل من الناس فأجابه إلى ذلك . فلما أصبح عمر من الغدر جاء إلى عمه فقال له : أعفني من الدخول إلى الصحراء فإن أهلها جاهلية ، قد ألفوا سيراً نشئوا عليها فمتى نقلوا عنها قتلوا من أمرهم بخلافها . وكان من طلبة الفقيه رجل يقال له عبد الله بن ياسين الكزولي فرأى الفقيه وقد عزّ عليه مخالفة ابن أخيه ، فقال : يا فقيه ، أرسلني معه والله العين . فأرسله معه . وتوجها إلى الصحار . وكان عبد الله بن ياسين فقيهاً عالماً ورعاً ديناً شهماً قوي النفس حازماً ذا رأي وصبر وتدبير حسن .
فدخل الجوهر وعبد الله بن ياسين إلى الصحار . فانتهوا إلى قبيلة لمتونة ، وهي على ربة عالية . فلما رأوها نزل الجوهر عن جمله ، وأخذ بزمام جمل عبد الله بن ياسين تعظيماً لدين الإسلام . فأقبلت أعيان لمتونة وأكابرهم للقاء الجوهر والسلام عليه . فرأوه يقود الجمل فسألوه عنه فقال : هو حامل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، قد جاء يعلم أهل الصحراء ما يلزمهم في دين الإسلام . فرحبوا به وأنزلوه أكرم نزل .
ثم اجتمعت طائفة كبيرة من تلك القبيلة في محفل وفيهم أبو بكر ابن عمر . فقالوا : تذكر لنا ما أشرت إليه أنه يلزمنا ؟ فقص عليهم عبد الله عقائد الإسلام وقواعده وبيّن لهم حتى فهم ذلك أكثرهم . ثم اقتضادهم الجواب ، فقالوا : أما ما ذكرته من الصلاة والزكاة فذلك قريب . وأما قولك : من قتل يقتل ، ومن سرق يقطع ، ومن زنا يجلد ، فأمر لا نلتزمه ولا ندخل تحته . اذهب إلى غيرنا .
فرحلا عنهم والجوهر الجدالي يجر زمام جمل عبد الله بن ياسين فنظر إليه شيخ كبيير منهم فقال : أرأيتم هذا الجمل ؟ لا بد أن يكون له في هذه الصحراء شأن يذكر في العالم .

الصفحة 140