كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 142 """"""
وأبو بكر في أمرهم ، واستمالوهم ، واستعانوا على أولئك الأشرار المفسدين بالمصلحين من قبائلهم يسبنونهم قوماً بعد قوم بضروب من التوصل حتى حصلوا منهم تحت زرب عظيم وثيق ما ينيف على ألفي رجل من المفسدين وتركوهم فيه أياماً بغير طعام وهم يحفظون الزرب من سائر جهاته ، وقد خندقوا حوله . ثم أخرجوهم قوماً بعد قوم وقتلوهم عن آخرهم .
فحينئذ دانت لهم أكثر قبائل الصحراء وهابهم كل من فيها ، وقويت شوكة المرابطين . هذا وعبد الله بن ياسين يعلم الشريعة ويقرىء الكتاب والسنة ، حتى صار حوله فقهاء . وكل من انقاد إلى الحق على طريق الورع والتقى والخشية لله والمراقبة ، فرتّب له أوقاتاً للمواعظ والتذكير وإيراد الوعد والوعيد . فاستقام منهم خلق كثير ، وخلصت عقائدهم وزكت نفوسهم ، وصفت قلوبهم .
ذكر مقتل الجوهر الجدالي
قال : كان الجوهر أصح القوم عقيدة ، وأخلصم لله ديناً ، وأكثرهم صوماً وتهجداً . فلما استبد أبو بكر بالأمر دونه ، وعبد الله ينفّذ الأمور بالسنة ، فصارت الدولة لهما . وبقي الجوهر لا حكم له فداخله الحسد ، ، فشرع في إفساد الأمر سراً . فعلم بذلك منه وعقد له مجلس . فثبت عليه ما ذكر عنه ، فحكم عليه بالقتل لأنه نكث البيعة ، وشق العصا ، وهمّ بمحاربة أهل الحق . فقال الجوهر : وأنا أيضاً أحب لقاء الله عز وجل حتى أرى ا تنده . فاغتسل وصلى ركعتين ، وتقدم طائعاً . فضربت عنقه رحمه الله تعالى .
قال : وكثرت طائفة المرابطين ، وتتبعوا المعاندين لهم من قبائل الصحراء بالقتل والنهب والسبي إلا من أسلم منهم وسالم . وبلغت الأخبار الفقيه بما جرى في الصحراء على يد ابن ياسين من سفك الدماء ونهب الأموال وسبي الحريم . فعظم ذلك عليه واشمأز منه وندم على إرساله ، وكتب له في ذلك . فأجابه عبد الله بن ياسين : أما إنكارك على ما فعلت وندامتك على إرسالي ، فإنك أرسلتني إلى أمة كانت جاهلية ، يخرج أحدهم ابنه وابنته لرعي السوام فيعزبان في المرعى . فتأتي المرأة حاملاً من أخيها ولا ينكرون ذلك . وليس دأبهم إلا إغارة بعضهم على بعض

الصفحة 142