كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 149 """"""
يقصد بلادهم وهي شرقي الأندلس . وصاحبها يومئذ المستعين بالله " بن " هود ، وهو من الشجعان الذين يضرب بهم المثل . وكان قد حصّل عنده من آلات الحصار والأقوات ما يكفيه عدة سنين بمدينة روطة ، وكانت قلعة حصينة . وكان يهادن أمير المسلمين قبل ملكه الأندلس ويكثر مراسلته . فرعى له ذلك حتى أنه أوصى ابنه على ابن يوسف عند موته بترك التعرض إلى بلاد " بني " هود . وقال " اتركهم بينك وبين العدو فإنهم شجعان " .
قال : وتتابعت الفتوح على أمير المسلمين حتى احتوى على جميع بلاد الأندلس التي كانت للمسلمين وما والاها من البلاد في البر الكبير ، من جميع بلاد السوس والجبال والصحار . وفتح في بلاد الفرنج فتوحاً كثيراً .
ذكر حيلة لأمير المسلمين
ظهرت ظهوراً عجيباً
قال ، كان بالمغرب إنسان اسمه محمد بن إبراهيم الكزولي سيد قبيلة كزولة ، ملك جبلها ، وهو جبل شامخ منيف ، وهي قبيلة كبيرة وكان بينه وبين يوسف بن تاشفين مودة واجتماع . فلما كان في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة ، أرسل يوسف إليه يطلب الاجتماع به . فركب حتى قاربه . ثم رجع وخافه على نفسه . فكتب إليه أمير المسلمين يحلف أنه ما أراد به سوءاً ولا قصد إلا خيراً . فلم يرجع لذلك .
فدعا يوسف حجاماً وأعطاه مائة دينار وضمن له مثلها إن سار إلى محمد بن إبراهيم وتحيّل في قتله . فسار الحجام ومعه مشاريط مسمومة فصعد الجبل . وجعل ينادي بالقرب من مساكن محمد . فسمعه فقال : " هذا الحجام من بلدنا ؟ " فقيل : " إنه غريب " . فقال : " أراه يكثر الصياح ، وقد ارتبت منه " . فأحضره عنده . واستدعى حجاماً غيره وأمره أن يحجمه بمشاريطه التي معه . فامتنع الحجام الغريب . فأمسك وحجم بها ، فمات . فلما بلغ ذلك يوسف ازداد غيظاً وحنقاً ، ولج في السعي في أذى يوصله إلى الكزولي .
فاستمال قوماً من أصحابه فمالوا إليه . فأرسل إليهم جراراً من عسل مسموم . فحضروا عند محمد وقالوا : " قد وصل إليها قوم معهم جرار من عسل ، وأردنا إتحافك به " . وأضروها بين يديه .
فلما قدمت له أمر بإحضار خبز ، وأمر أولئك القوم الذين

الصفحة 149