كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 15 """"""
البهائم ، يكفرون بالله ولا يعرفونه . فقال عقبة لأصحابه : ارحلوا على بركة الله . فرحل من طنجة إلى السّوس الأدنى . وهو في جنوب مدينة طنجة التي تسمى تارودانت . فانتهى إلى أوائلهم فقتلهم قتلاً ذريعاً . وهرب من بقي منهم ، وتفرقت خيله في طلبهم .
ومضى حتى دخل السّوس الأقصى فاجتمع البربر في عدد كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى . فقاتلهم قتالاً لم يسمع بمثله . فقتل خلقاً كثيراً منهم . وأصاب نساء لم ير الناس مثلهن . فقيل : إن الجارية كانت تساوي بالمشرق ألف مثقال وأكثر وأقل .
وسار حتى بلغ البحر المحيط لا يدافعه أحد ولا يقوم له . فدخل فيه حتى بلغ الماء لبان فرسه . ورفع يده إلى السماء وقال : يا رب ، لولا هذا البحر لمضيت في البلاد إلى ملك ذي القرنين مدافعاً عن دينك ، ومقاتلاً من كفر بك وعبد غيرك .
ثم قال لأصحابه : انصرفوا على بركة الله وعونه . فخلا الناس عن طريق عساكره هاربين . وخاف المشركون منه أشد مخافة . وانصرف إلى إفريقية . فلما انتهى إلى ماء اسمه اليوم ماء فرس ولم يكن به ماء ، فأصابهم عطش أشفى منه عقبة ومن معه على الموت . فصلى ركعتين ودعا الله عز وجل . فجعل فرسه يبحث الأرض بيديه حتى كشف عن صفاة . فانفرج منها الماء . وجعل الفرس يمص ذلك الماء فنادى عقبة في الناس أن احتفروا فحفروا سبعين حساً فشربوا وأسقوا . فسمى ماء فرس .
وسار حتى انتهى إلى مدينة طبنة ، وبينها وبين القيروان ثمانية أيام . فأمر أصحابه أن يتقدموا فوجاً بعد فوج إلى إفريقية ثقة منه بما دوخ من البلاد ، وأنه لم يبق أحد يخشاه . وسار يريد تهوذة لينظر إليها وإلى بادس ، ويعرف ما يسدهما من الفرسان ، فيترك فيهما بقدر الحاجة . فلما نظر الروم إلى قلة ما معه ، طمعوا فيه وأغلقوا أبواب حصونهم دونه ، وشتموه ، ورموه بالنبل والحجارة ، وهو يدعوهم إلى الله عز وجل . فلما توسط البلاد بعث الروم إلى كسيلة ابن بهرم الأوربي وكان في عسكر عقبة .

الصفحة 15