كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 151 """"""
فخرج أمير المسلمين علي لحربه ، ولقيه واقتتلوا قتالاً شديداً . وكان الظفر للمسلمين ، وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ، وقتلوا قتلاً ذريعاً ، وأسر منهم أسرى كثيرة ، وسبي ، وغنم من أموالهم ما يخرج عن الإحصار . فخافه الفرنج بعد لك . وامتنعوا من قصد بلاده وذل الأدفونش .
ذكر الفتنة بقرطبة
وفي سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، وقيل : أربع عشرة ، كانت فتنة عظيمة بين عسكر أمير المسلمين علي بن يوسف وبين أهل قرطبة وسببها أنه كان قد استعمل عليها أبا بكر يحيى بن داود . فلما كان يوم عيد الأضحى ، خرج الناس متفرجين . فمد عبد من عبيد أبي بكر يده إلى امرأة ومسكها . فاستغاثت بالمسلمين فأعانوها . فوقع بين العبيد وأهل البلد فتنة عظيمة . ودامت جميع النهار إلى الليل وتفرقوا . واجتمع الفقهاء والأعيان إلى أبي بكر وقالوا له : " المصلحة أن تقتل واحداً من العمد الذين أثاروا الفتنة " . فأنكر ذلك وغضب منه .
وأصبح من الغد وأظهر السلاح والعدد وأراد قتال أهل البلد فركب الفقهاء والأعيان والشباب ، وقاتلوه فهزموه . وتحصن منهم بالقصر ، فحضروه ونصبوا السلاليم وصعدوا إليه . فهرب من البلد بعد مشقة وتعب . فنهبوا القصر وأحرقوا جميع دور المرابطين ونهبوا أموالهم . وأخرجوهم من البلد على أقبح صورة .
واتصل الخبر بأمير المسلمين فأكبر ذلك واستعظمه . وجمع العساكر من صنهاجة وزناتة والبربر وغيرهم . وجاء إلى قرطبة في سنة خمس عشرة وخمسمائة وحصرها . فقاتلهم أهلها قتلا من يذب عن نفسه وماله وحريمه . فلما رأى شدة قتالهم دخل السفراء بينهم وسعوا في الصلح . فأجاب إلى ذلك على أن يغرم أهل قرطبة للمرابطين ما نهبوه من أموالهم . فاستقرت القاعدة على ذلك ، وعاد عن قتالهم .
وفي أيام علي بن يوسف ، ظهر المهدي محمد بن تومرت وعبد المؤمن بن علي ، فضعف أمر الملثمين . وكان بينهم من الحروب ما نذكره في أخبار الموحدين .
وكانت وفاة علي بمراكش في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة .
فكانت مدة ولايته خمساً وثلاثين سنة .

الصفحة 151