كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 154 """"""
قال : ولم يزل المهدي يلازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن وصل إلى مراكش ، وهي دار مملكة علي بن يوسف ابن تاشفين . فرأى فيها من المكرات أكثر مما عيانه في طريقه . فزاد أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أتباعه وحسنت ظنون الناس فيه .
فبينما هو في بعض الأيام في طريقة ، إذ رأى أخت أمير المسلمين في موكبها ومعها عدة من الجواري الحسان ، وهو مسفرات . وكانت هذه من عادتهم . فحين رأى النساء كذلك أنكر عليهن وأمرهن بستر وجوههن . وضرب هو وأصحابه دوابهن . فسقطت أخت أمير المسلمين عن دابتها . فرفع أمره إلى أمير المسلمين علي بن يوسف . فأحضره الفقهاء لمناظرته ، فأخذ يعظه ويذكّره ويخوفه ، فبكى أمير المسلمين . وأمر أن يناظروه لم يكن فيهم من يقوم له لقوة أدلته . وكان عند أمير المسلمين رجل من وزرائه اسمه مالك بن وهيب فقال له : " يا أمير المسلمين إن هذا والله لا يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المكر ، إنما هو يريد إثارة فتنة والغلبة على بعض النواحي ، فاقتله وقلّدني دمه " . فلم يفعل ذلك فقال : إذا لم تقتله فاحبسه وخلّده في السجن وإلا أثار شراً لا يمكن تلافيه . فأراد حبسه فمنعه من ذلك رجل من أكابر الملثمين يسمى بنيان بن عمران . فأمر بإخراجه من مراكش .
فسار إلى أغمات ولحق بالجبل . وسار منه حتى التحق بالسوس الذي فيه قبيلته هرغة وغيرهم من المصامدة ، وذلك في سنة أربع عشرة وخمسمائة . فأتوه واجتمعوا حوله . وتسامع به أهل تلك النواحي فوفدوا إليه ، وحضر أعيانهم بين يديه . فجعل يعظهم ، ويذكرهم شعائر الإسلام وما غيّر منها وما حدث من الظلم والفساد ، وأنه لا تجب طاعة دولة من هذه الدول لاتباعهم الباطل بل الواجب قتالهم ومنعهم مما هم عليه . فأقام على ذلك نحو سنة . وتابعته قبيلة هرغة .
وسمى أتباعه الموحدين . وأعلمهم أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بشر بالمهدي الذي يملأ الأرض عدلاً ، وأن مكانه الذي يخرج منه المغرب الأقصى . فقام إليه عشرة رجال منهم عبد المؤمن فقالوا : لا يوجد هذا إلا فيك ، وأنت المهدي . وبايعوه على ذلك . فانتهى خبره إلى أمير المسلمين فجهز جيشاً من أصحابه لقتاله . فلما قربوا من الجبل الذي هو فيه قال لأصحابه : إن هؤلاء يريدونني وأخاف عليكم منهم . والرأي أن أخرج إلى غير هذه البلاد لتسلموا أنتم . فقال له ابن توفيان من مشايخ هرغة : هل تخاف شيئاً من السماء ؟ فقال : بل من السماء تنصرون . فقال ابن توفيان : فليأتنا كل من في الأرض . ووافقته جميع قبيلته . فقال المهدي عند ذلك : " أبشروا بالنصر والظفر

الصفحة 154