كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 155 """"""
بهذه الشرذمة . وبعد قليل تستأصلون دولتهم وترثون أرضهم . فنزلوا من الجبل ولقوا جيش أمير المسلمين ، فهزموهم وأخذوا أسلابهم . وقوي ظنهم بصدق المهدي حيث ظفروا كما أخبرهم .
فأقبلت إليه أفواج القبائل من الجبال التي حوله شرقاً وغرباً فأقبل عليهم واطمأن إليهم ، وأتته رسل أهل تينملّ بطاعتهم وطلبوه إليهم . فتوجه إلى جبل تينمل وأقام به واستوطنه . وبايعته قبيلة هنتاتة ، وهي من أقوى القبائل . وألف كتاباً في التوحيد ، وكتاباً في العقيدة . ونج لمن معه طريق الأدب مع بعضهم بعضاً ، والاقتصار على لباس الثياب القليلة الثمن . وهو ففي خلال ذلك يحرضهم على قتلا عدوهم ، وإخراج الأشرار من بين أظهرهم . وبني له مسجداً بينمل خارج المدينة ، فكان يصلي فيه الصلوات الخمس هو وجميع من معه ، ويدخل البلد بعد العشاء الآخرة .
فلما رأى كثرة أهل البلد وحصانة المدينة ، خاف أن يرجعواعنه . فأمرهم أن يحضروا عنده بغير سلاح . ففعلوا ذلك عدة أيام . ثم أمر أصحابه أن يقتلوهم ، فقتلوهم في ذلك المسجد . ثمدخل المدينة فقتل فيها وأكثر ، وسبيالحريم ، ونهي الأموال . فكانت عدة القتلى خمسة عشر ألفاً . وقسم المساكن والأرض بين أصحابه . وبني على المدينة سوراً وقلعة على رأس جبل تينمل ، وهو جبل عال فيه أشجار وزرع وأنهار جارية ، والطريق إليه صعب .
وقيل : إنه لما خاف أهل تينمل ، نظر إلى أولادهم فرآهم شقراً زرقاً ، والذي يغلب على الآباء السمرة ، فقال لهم : مالي أراكم سمر الألوان وأولادكم شقراً زرقاً ؟ فقالوا : " إن لأمير المسلمين عدة من المماليك الفرنج والروم ، وإنهم يصعدون إلى هذا الجبل في كل عام مرة ، يأخذون مالهم فيه من الأموال المقررة من جهة السلطان ، فسيكنون البيوت ، ويخرجون أصحابها منها فقبّح الصبر على هذا وأزري عليهم وعظّم الأمر عندهم . فقالوا له : فكيف الحيلة في الخلاف منهم ، وليس لنا بهم قوة ؟ فقال : إذا حضروا عندكم في الوقت المعتاد وتفرقوا في مساكنكم ، فليقم كل رجل إلى نزيله فيقتله ، واحفظوا جبلكم فإنه الإسلام لا يرام ، ففعلوا ذلك عند مجيء مماليك أمير المسلمين إليهم ثم خافوا على نفوسهم فامتنعوا في الجبل وسدوا ما فيه من طريق يسلك إليهم منه .

الصفحة 155