كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 157 """"""
ثم نادى في الجبل بالحضور للتمييز ومعناه العرض . فكان الونشريسي يعمد إلى الرجل الذي تخاف ناحيته فيقول : هذا من أهل النار . فيلقى من الجبل ، وإلى الشاب الغر ومن لا يخشاه فيقول : هذا من أهل الجنة . فيترك عن يمينه . فكانت عدة القتلى سبعين ألفاً . فلما فرغ من ذلك أمن على نفسه . هذا هو المشهور عنه في التمييز .
وقيل إن ابن تومرت لما رأى كثرة أهل الشر والفساد في الجبل أحضر شيوخ القبائل وقال لهم : إنكم لا يصلح لكم دين ولا تقوى إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإخراج المفسدين من بينكم ، فابحثوا عن كل من عندكم من أهل الشر والفساد فانهوهم ، فإن انتهوا وإلا فأثبتوا أسماءهم وارفعوها إليّ لأنظر في أمرهم . ففعلوا ذلك وكتبوا له أسماء المفسدين من كل قبيلة . ثم أمرهم بذلك مرة ثانية وثالثة . ثم جمع أوارقهم وأخذ منها ما تكرر من الأسماء وأثبته عنده . ودفع ذلك إلى الونشريسي المعروف بالبشير . وأمره أن يعرض القبائل ، وأن يجعل أولئك من جهة الشمال ، ومن عداهم في جهة اليمين ، ففعل ذلك . وأمر المهدي أن يكتف من على شمال الونشريسي فكتّفوا . ثم قال : إن هؤلاء أشقياؤكم قد وجب قتلهم . وأمر كل قبيلة بقتل أشقيائها فقتلوا عن آخرهم .
قال : ولما فرغ من التمييز رأى من بقي من أصحابه على نيات خالصة وقلوب متفقة على طاعته . فجهز جيشاً وسيّرهم إلى جبال أغمات ، وبها جمع كبير من المرابطين . فقاتلوهم فانهزم أصحاب ابن تومرت ، وكان أميرهم الونشريسي . وقتل كثير منهم . وجرح عمر أنتات وهو الهنتاتي ، وكان من أكبر أصحاب المهدي وسكن حسّه ونبضه . فقالوا : مات . فقال الونشريسي : لم يمت ولا يموت حتى يملك البلاد . فبعد ساعة فتح عينيه وعادت قوته إليه . فافتتنوا به ورجعوا إلى ابن تومرت فوعظهم وشكر صبرهم .
ثم لم يزل بعد ذلك يرسل السرايا في أطراف البلاد فإذا رأوا عسكراً تعلقوا بالجبل فأمنوا على أنفسهم وعلا أمر المهدي فرتب أصحابه على طبقات .
ذكر ترتيب أصحاب المهدي
قال : ورتب المهدي أصحابه مراتب . فالأولى آية عشرة ، يعني أهل عشرة ، وأولهم عبد المؤمن ، ثم أبو حفص عمرانتات وهو الهنتاتي وغيرهما ، وهم أشرف أصحابه ، وأهل الثقة عنده ، والسابقون إلى مبايعته .

الصفحة 157