كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 16 """"""
ذكر خروج كسيلة وقتل عقبة بن نافع واستيلائه على القيروان
كان كسيلة هذا من أكابر البربر . وكان قد أسلم في ولاية أبي المهاجر وحسن إسلامه . وقدم عقبة فعرّفه أبو المهاجر بحال كسيلة وعظمه في البربر وانقيادهم إليه . فلم يعبأ به عقبة واستخف به وأهانه . فكان من إهانته له أنه أتي بغنم فأمر بذبحها ، وأمر كسيلة أن يسلخ منها شاة . فقال : أصلح الله الأمير هؤلاء فتياني وغلماني يكفونني المؤونة . فسبه عقبة وأمره بالقيام . فقام مغضباً وذبح الشاة . وجعل يمسح لحيته بما على يديه من دمها . فجعلت العرب يمرون به ويقولون له : يا بربري ، ما هذا الذي تصنع ؟ . فيقول : هذا جيد للشعر . حتى مر به شيخ من العرب فقال : كلا ، إن البربري يتواعدكم . فقال أبو المهاجر لعقبة : ما صنعت ؟ أتيت إلى رجل جبار في قومه وبدار عزه ، وهو قريب عهد بالشّرك ، فأفسدت قلبه . أرى أن توثقه كتافاً ، فإني أخاف عليك من فتكه . فتهاون به عقبة .
فلما رأى كسيلة الروم قد راسلوه ورأى فرصة ، وثب وقام في بني عمه وأهله ومن اجتمع إليه من الروم . فقال أبو المهاجر لعقبة : عاجله قبل أن يجتمع أمره . وأبو المهاجر مع ذلك كله صحبة عقبة وهو في الحديد . فزحف عقبة إلى كسيلة فتنحى عنه . فقال البربر له : لم تنحيت من بين يديه ونحن في خمسة آلاف ؟ فقال : إنكم كل يوم في زيادة وهو في نقصان ، ومدد الرجل قد افترق عنه . فإذا طلب إفريقية زحفت إليه . وأما أبو المهاجر فإنه تمثل بقول أبي محجن الثقفي :
كفى حزناً أن تمزع الخيل بالقنا . . . وأترك مشدوداً عليّ وثاقيا
إذا قمتُ غنائي الحديد وأُغلقت . . . مصارع من دوني تصم المناديا
فبلغ ذلك عقبة بن نافع . فأطلقه وقال له : الحق بالمسلمين فقم بأمرهم وأنا أغتنم الشهادة . فقال أبو المهاجر : وأنا أغتنم ما اغتنمت . فصلى عقبة ركعتين وكسر جفن سيفه . وفعل أبو المهاجر كفعله . وكسر المسلمون أغماد سيوفهم . وأمر عقبة أن ينزلوا عن خيلهم ، ففعلوا وقاتلوا قتالاً شديداً . وكثر عليهم العدو فقتلوا عن آخرهم ولم يفلت منهم أحد .

الصفحة 16