كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 162 """"""
ثم رحل عنها في سنة أربعين وخمسمائة إلى مدينة فاس . ورتب على أجادير جيشاً يحصرها ، وجعل عليهم يوسف بن وانودين ابن تامصلت الهنتاتي . فداوم الحصار وضيق على من بها ، ونصب عليها المجانيق وأبراج الخشب والدبابات . ودام الحصار نحو سنة وكان المقدم على أهلها الفقيه عثمان . فلما اشتد الحصار على أهلها اجتمع جماعة منهم وراسلوا الموحديثين بغير علم الفقيه ، وأدخلوهم البلد . فلم يشعر أهله إلا والسيف قد أخذهم . فقتل أكثر أهل البلد ، ونهيبت الأموال ، وسبيت الذراري والحرم . وبيع من لم يقتل بأبخس الأثمان . وأخذ من الأموال والجواهر ما لا يحصى . وكان عدة من قتل مائة ألف . وقيل : إن عبد المؤمن هو الذي حصر تلمسان وفتحها ، وسار منها إلى فاس .
قال : ولما وصل عبد المؤمن إلى مدينة فاس ، نزل على بجل الفرض المطل عليها . وعمل حول مخيّمه سوراً وخندقاً . وحصرها تسعة أشهر ، وبها يحيى بن الصحراوية بعسكره الذين فروا من تاجررت . فعمد عبد المؤمن إلى نهر يدخل البلد فكسره حتى صار بحيرة تسير السفن فيها . ثم هدم السّكر فجاء الماء دفعة واحدة ، فخرب سور البلج . فأراد الدخول فقاتله أهلها خراج السور . وكان القائد عبد الله بن خيار الجياني عاملاً عليها وعلى جميع أعمالها ، فاتفق هو وجماعة أعيان البلد ، وكاتبوا عبد المؤمن سراً في طلب الأمان لأهل فاس . فأجابهم عبد المؤمن إلى ذلك . ففتحوا له باباً من أبواب المدينة ، فدخلها عسكره . وهرب يحيى بن الصحراوية بمن معه إلى مدينة طنجة . وكان فتحها في أواخر سنة أربعين وخمسمائة . ورتب عبد المؤمن أمرها وأخذ جميع ما فيها من سلاح .
وسير سرية إلى مكناسة فحصروها مدة ثم سلمها أهلها بالأمان ، فوفّوا لهم .
ثم سار عبد المؤمن إلى مدينة سلا ففتحها .
وحضر إليه جماعة من أعيان سبتة ، فدخلوا في طاعته وسألوا أمانه فأمنهم ، وذلك في أول سنة إحدى وأربعين .
ذكر ملك عبد المؤمن مراكش وقتله إسحاق بن علي وانفراض دولة الملثمين
قال : ولما فرغ عبد المؤمن من مدينة فاس وتلك النواحي ، سار إلى مدينة مراكش ، وهي كرسي مملكة الملثمين ، وبها إحسان بن علي ابن يوسف بن تاشفين ،

الصفحة 162