كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 163 """"""
وهو صبي . فنازلها في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة . وضرب خيامه في غربيها على جبل صغير ، وبني عليه مدينة له ولعسكره وجامعاً . وجعل لنفسه بناء عالياً يشرف منه على المدينة ويري أحوال أهلها وأحوال المقاتلين . فأقام عليها أحد عشر شهراً والقتال مستمر ، ومن بها ن المرابطين يخرجون ويقاتلون ظاهر البلد . فاشتد الجوع على أهله وتعذرت الأقوات عندهم .
ثم زحف إليهم يوماً ، وجعل لعسكره كميناً ، وقال لعسكره : " قاتلوهم ثم انهزموا لهم " . وقال للكمين : لا تخرجوا حتى تسمعوا الطبل . وجلس هو على المنظرة يشاهد القتال . وتقدم أصحابه للقتال فقاتلوا وصبروا ثم انهزموا . وتبعهم أهل مراكش حتى جاوزوا الكمين ووصلوا إلى مدينة عبد المؤمن وهدموا أكثر سورها . وصاحت المصامدة ليضرب الطبل . فقال عبد المؤمن : " اصبروا حتى يخرج كل طامع من البلد " . فلما خرج أكثر أهله أمر بضرب الطبل فضرب وخرج الكمين عليهم وعطفت المصامدة . فقتلوا الملثمين كيف شاءوا وتمت الهزيمة . فمات في زحمة الأبواب خلق كثير .
وكان شيوخ الملثمين يدبرون دولة إسحاق لصغر سنه . فاتفق أن إنساناً من جملتهم يقال له عبد الله بن أبي بكر استأمن إلى عبد المؤمن . وأطلعه على عورة البلد وضعف من فيه ، وقي طمعه فيهم . فنصب عبد المؤمن عليه المجانيق والأبراج . وفنيت الأقوات فأكلوا دوابهم ، ومات من العامة بالجوع ما يزيد على مائة ألف إنسان فجاف البلد من جثتهم .
وكان بمراكش جيش من الفرنج كان المرابطون قد استنجدوا بهم وأتوهم نددة . فلما طال الأمر عليهم راسلوا عبد المؤمن يطلبون الأمان فأمنهم . ففتحوا له باباً من أبواب البلد يقال له باب أغمات . فدخلت عساكر عبد المؤمن بالسيف ، وملكوا المدينة عنوة ، وقتلوا من وجدوه . ووصلوا إلى دار أمير المسلمين ، فأخرجوا إسحاق وجميع من معه من المرابطين . وقدموهم للقتل وإسحاق يرتعد ويسأل العفو عنه رغبة في البقاء ، ويدعو لعبد المؤمن ويبكي . فقام إليه الأمير سير بن الحاج ، وكان إلى جانبه مكتوفاً ، فبصق في وجهه وقال : تبكي على أمك أم أبيك . اصبر صبر الرجال فهذا رجل لا يخاف الله تعالى ولا يدينه بدين . فقام الموحدون إليه فضربوه بالخشب حتى مات ، وكان من الشجعان . وضربت عنق إسحاق . وذلك في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة أو ثلاث وأربعين .

الصفحة 163