كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 164 """"""
قال : وأقام عبد المؤمن بمدينة مراكش واستوطنها واستقر ملكه بها . وقتل من أهلها فأكثر ، واختفى كثير منهم . فلما كان بعد أسبوع أمر فنودي بالأمان ، فخرج من اختفى من أهلها . فأراد المصامدة قتلهم ، فمنعهم وقال : هؤلاء صناع وأهل الأسواق ومن ينتفع به . فتركوا وبني بالقصر جامعاً كبيراً وزخرفه وأتقن عمله . وأمر بهدم الجامع الذي بناه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين .
ذكر ظفره بدكالة
وفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، سار بعض المرابطين من الملثمين إلى دكالة . فاجتمع إليه قبائلها وصاروا يغيرون على أعمال مراكش ، وعبد المؤمن لا يلتفت إليهم . فلما كثر ذلك منهم ، سار إليهم عبد المؤمن في سنة أربع وأربعين . فلما سمعت دكالة بمسيره ، اجتمعت كلها وانحسروا إلى ساحل البحر ، وكانوا في مائتي ألف راجل وعشرين ألف فارس ، وهم من الشجاعة بالمكان المعروف . وكانت جيوش عبد المؤمن تخرج عن الحصر . وكان الموضع الذي فيه دكالة كثير الحجر والحزون ، فكمنوا فيه كميناً ليخرجوا على عبد المؤمن إذا سلكه . فكان من الاتفاق الحسن أنه قصدهم من غير الجهة التي فيها الكمناء . فانحل عليهم النظام وفارقوا ذلك الموضع وأخذهم السيف فدخلوا البحر . فقتل أكثرهم ، وغنمت أموالهم وأغنامهم ، وسبيت نساؤهم . فبيعت الجارية بدارهم يسيرة . وعاد عبد المؤمن إلى مراكش بالظفر والنصر . وثبت ملكه وخافه جميع من بالمغرب ، وأذعنوا له بالطاعة .
ذكر ملكه جزيرة الأندلس
قال : كان ملكه لها في سنة إحدى وأربعين ، وذلك أنه لما كان يحاصر مراكش ، ورد عليه جماعة من أعيان الأندلس منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن حمدين ، ومعهم مكتوب يتضمن بيعه أهل الأندلس لعبد المؤمن ودخلوهم في زمرة أصحابه الموحدين ، والتزامهم لطاعته ، وإقامتهم لأمره في بلادهم . وجميع أسماء القوم الذين بايعوه مثبتة في المكتوب . فقبل عبد المؤمن طاعتهم ، وشكر هجرتهم ، وطيب قلوبهم . فطلبوا منه النصرة على الفرنج ، فإن الفرنج كانوا قد ملكوا من بلاد

الصفحة 164