كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 166 """"""
رحل لوقته بجميع من معه وسار حتى غاب عن فجاج قرطبة . وكان بقرطبة القائد أبو الغمر السائب ، من ولد القائد ابن غلبون من أبطال الأندلس فخرج لوقته من قرطبة وصعد إلى الجبل . واجتمع بيحيى وقال له : انزل بمن معك إلى قرطبة وعجّل . ففعلوا ذلك وباتوا بها . فما أصبح اليوم الثاني إلا وعسكر السليطين قد غشي الجبل الذي كان فيه يحيى . فقال لهم أبو الغمر : هذا الذي كنت خفته عليكم . فلما لعم أنهم قد فاتوه ، ورأى أنه لا مطمع له في قرطبة ، رحل إلى بلاده بعد أن حاصرها ثلاثة أشهر قبل وصلوهم .
ذكر ملكه مدينة بجاية وملك بني حماد وانقراض دولتهم
وفي سنة ست وأربعين وخمسائة ، سار عبد المؤمن من مدينة مراكش إلى سبتة . وهيأ الأساطيل والناس يعتقدون أنه يدخل الأندلس . ونفّذ أعيان أصحابه إلى جميع القبائل : أن يجمعوا العساكر ويرتبوها . وقطع السابلة عن بلاد شرق المغرب براً وبحراً .
ثم خرج من سبتة في صفر سنة سبع وأربعين . وتوجه إلى المشرق مسرعاً وطوى المراحل ، والعساكر المرتبة تلقاه . فلم يشعر أهل بجاية إلا وهو في أعمالها ، وكانت ليحيى بن العزيز بالله آخر ملوك بني حماد . وكان مولعاً بالصيد واللهو واللعب لا ينظر في شيء من أمور مملكته بل فوضها ليمون بن حمدون . فجمع ميمون العساكر وخرج عن بجاية . فأقام أياماً وأحجم عن اللفاء ورجع ولم يقاتل عساكر عبد المؤمن . واعتصم يحيى بن العزيز بقلعة قسنطينة . وهرب أخوه الحارث في مركب إلى جزيرة صقلية . ولحقه أخوه عبد الله وجماعة من بني عمه إلى صقلية .
ودخل عبد المؤمن بجاية وملك جميع بلاد يحيى بن العزيز بغير قتال . ثم نزل إليه يحيى بالأمان فأمنه وأنفذه إلى المغرب ، وكان فيها مدة حياته رخى البال .

الصفحة 166