كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 168 """"""
عبد المؤمن والعرب عند مدينة سطيف .
وذلك أن عبد المؤمن لما فتح بلاد بني حماد اجتمعت العرب ، وهم بنو هلال والأثبج وعدي ورياح وزغيف وغيرهم ممن يقول بقولهم من أرض طرابلس إلى أقصى المغرب . وقالوا : إن جاورنا عبد المؤمن أجلانا من بلاد المغرب . وليس الرأي إلا اللقاء معه ، وأخذه بالجد ، وإخراجه من البلاد قبل أن يتمكن . وتحالفوا على التعاون والتعاضد ، وعزموا على لقائه بالرجال والأهل والمال .
واتصل الخبر بصاحب صقلية الفرنجي ، فأرسل إلى أمراء العرب وهم محرز بن زياد ، وجبارة بن كامل ، وحسن بن ثعلب ، وعبسي بن حسن ، وغيرهم ، يحثهم على ذلك ، ويعرض عليهم أن يرسل إليهم خمسة آلاف فارس من الفرنج يقاتلون معهم على أن يرسلوا إليه رهائن . فشكروه وقالوا : لا حاجة بنا إلى نجدته ، ولا نستيعن على المسلمين بغيرهم .
وساروا في عدد لا يحصى . وكان عبد المؤمن قد رحل من بجاية إلى بلاد المغرب . فلما بلغه خبرهم جهز إليهم جيشاً من الموحدين زهاء ثلاثين ألف فارس ، ومقدمهم أبو سعيد يخلف ، وعبد العزيز وعيسى أولاد أبي مغار . وكان العرب أضعافهم ، فاستخرجهم الموحدون . وتبعهم العرب إلى أن وصلوا أرض سطيف بين جبال .
فصدمهم الموحدون بغتة والعرب على غير أهبة . والتقى الجمعان واقتتلوا أشد قتال وأعظمه . فانجلت المعركة عن هزيمة العرب .
وذلك في يوم الخميس غرة صفر . وتركوا أموالهم وأهاليهم وأولادهم ونعمهم . فأخذ الموحدون جميع ذلك وعادوا به إلى عبد المؤمن . فقسم الأموال في عسكره وترك النساء والأولاد تحت الاحتياط . ووكل بهم الخصيان بخدمونهم وأمر بصيانتهم . ونقلهم معه إلى مراكش فأنزلهم في المساكن الفسيحة وأجرى عليهم النفقات الواسعة .
وأمر عبد المؤمن محمداً بمكاتبة العرب ويعلمهم أن نساءهم وأولادهم تحت الاحتياط والحفظ والصيانة . وأمرهم أن يحضروا ليسلمهم إليه . فلما وصل كتابه إليهم سارعوا إلى المسير إلى مراكش . فأعطاهم عبد المؤمن نساءهم وأولادهم ، وأحسن إليهم ، ووصلهم بالأموال الجزيلة فاسترقّ قلوبهم بذلك وأقاموا عنده ، واستعان بهم على ولاية ابنه محمد العهد بعده .

الصفحة 168