كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 169 """"""
ذكر البيعة لمحمد بن عبد المؤمن بولاية العهد بعد أبيه
قال : وفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، أمر عبد المؤمن بالبيعة بولاية العهد لابنه محمد . وكان الشرط بين عبد المؤمن وعمر الهنتاتي أن يلي الأمر بعده . فلما تمكن عبد المؤمن من الملك وكثرت أولاده أحب أن يكون الملك فيهم . فأحضر أمراء العرب من هلال وزغية وعدي وغيرهم إليه ووصلهم وأحسن إليهم . ثم وضع عليهم من يقول لهم : اطلبوا من عبد المؤمن أن يجعل لكم ولي عهد من ولده بعده . ففعلوا ذلك . فلم يجبهم إكراماً لعمر الهنتاتي لعلو منزلته في الموحدين . فلما علم الهنتاتي ذلك خاف على نفسه . فحضر عند عبد المؤمن وخلع نفسه . فحينئذ بايع عبد المؤمن لابنه بولاية العهد . وكتب إلى جميع بلاده بذلك . وخطب له في جميع البلاد . وأخرج من الأموال شيئاً كثيراً في ذلك اليوم .
ذكر استعمال عبد المؤمن أولاده على البلاد وأعماله
وفي سنة إحدى وخمسين أيضاً ، استعمل عبد المؤمن أولاده على البلاد والأعمال ، فجعل ابنه أبا محمد عبد الله علي بجاية وأعمالها ، وأبا حفص عمر على مدينة تلمسان وأعمالها ، وأبا الحسن علياً على مدينة فاس وأعمالها ، وأبا سعيد على سبتة والجزيرة الخضراء ومالقة .
ولقد سلك عبد المؤمن في استعمالهم من حسن السياسة وجميل التدبير طريقاً عجيباً يستدل به على جودة رأيه ، وتوصّله إلى مقاصده بأحسن صورة وأجمل طريقة . وذلك أنه كان قد استعمل على الأعمال شيوخ الموحدين المشهورين من أصحاب المهدي ، فكان يتعذر عليه أن يعزلهم . فأخذ أولادهم وتركهم عنده ، وأشغلهم بالعلوم . فلما مهروا فيها ، قال لآبائهم : إني أريد أن تكونوا عندي أستعين بكم على ما أنا بصدده وتكون أولادكم في أعمالكم . فأجابوا إلى ذلك وفرحوا به ، فاستعمل أولادهم . ثم وضع عليهم من يعتمد عليه منهم فقال لهم : إني أرى أمراً عظيماً قد فعلتموه فارقتم فيه الحرزم والأدب . فقالوا : وما هو ؟ قال : أولادكم في الأعمال وأولاد أمير المؤمنين ليس إليهم شيء منها مع ما عم فيه من العلم وحسن السياسة .

الصفحة 169