كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 17 """"""
فعزم زهير بن قيس على قتال البربر فخالفه بعض أصحابه ففارق القيروان ، وسار إلى برقة وأقام بها . وتبعه أكثر الناس . وأما كسيلة فاجتمع إليه جمع كبير فقصد القيروان وبها أصحاب الأثقال والذراري من المسلمين . فطلبوا الأمان من كسيلة فأمنّهم . ودخل القيروان واستولى على إفريقية . وأقام بها إلى أن قوي أمر عبد الملك بن مروان . فذكر عنده أمر القيروان ومن بها من المسلمين . فأشار عليه أصحابه بإنفاذ الجيوش إليها . ليستنقذها من يد كسيلة . فاستعمل عليها زهير بن قيس .
ذكر ولاية زهير بن قيس البلوى وقتل كسيلة البربري
قال : ولما أشير على عبد الملك بن مروان بإرسال الجيش إلى إفريقية ، قال : لا يصلح للطلب بثأر عقبة بن نافع من المشركين إلا من هو مثله في دين الله عز وجل . فاتفق رأيهم على زهير بن قيس ، وقالوا : هو صاحب عقبة وأعرف الناس بسيرته وأولادهم بطلب ثأره . وكان زهير ببرقة مرابطاً منذ قفل من إفريقية . فكتب إليه عبد الملك بالخروج على أعنّة الخيل إلى إفريقية . فكتب إليه زهير يستمده بالرجال بالرجال والأموال . فوجه إليه بالأموال ووجوه أهل الشام .
فلما وصل ذلك إليه أقبل إلى إفريقية في عسكر عظيم ، وذلك في سنة تسع وستين . فبلغ خبره كسيلة فجمع البربر وتحول عن القيروان إلى ممش . وجاء زهير فأقام بظاهر القيروان ثلاثة أيام حتى استراح وأراح . ثم رحل إلى كسيلة . والتقيا واشتد القتال وكثر القتل في الفريقين . فأجلت الحرب عن قتل كسيلة وجماعة من أصحابه . وانهزم من بقي منهم . فتبعهم الجيش فقتلوا من أدركوه .
وعاذ زهير إلى القيروان . فرأى ملك إفريقية ملكاً عظيماً ، فقال : إنما أحببت الجهاد ، وأخاف أن أميل إلى الدنيا فأهلك . وكان عابداً زاهداً . فترك بالقيروان عسكراً ورحل في جمع كبير يريد المشرق . وكان قد بلغ الروم بالقسطنطينية مسيره من برقة إلى إفريقية وخلوها ، فخرجوا إليها في مراكب كثيرة من جزيرة صقلية .
فأغاروا على برقة وقتلوا ونهبوا . ووافق ذلك قدوم زهير من إفريقية فقاتلهم بمن معه أشدّ قتال . وترجل هو ومن معه وقاتلوا فعظم الخطب . وتكاثر الروم عليهم فقتل زهير وأصحابه ، ولم ينج منهم أحد . وعاد الروم بما غنموه إلى القسطنطينية .

الصفحة 17