كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 171 """"""
باديس ، وفعلوا بمدينة زويلة الأفغال الشنيعة من القتل والنهب والتخريب . فسار أهلها إلى عبد المؤمن وهو بمراكش يستنجدونه ويستجيرون به فأكرمهم . وأخبروه بما جرى على المسلمين وأنه ليس في ملوك الإسلام من يقصد غيره . فأطرق ثم رفع رأسه وقال : " أبشروا لأنصرنكم ولو بعد حين " . وأمر بإنزالهم وأطلق لهم ألفي دينار .
ثم أمر بعمل الروايا والقرب والحياض وما يحتاج إليه العساكر . وكتب إلى جميع نوابه ببلاد المغرب وكان قد ملك إلى قريب تونس ، فأمرهم بتحصيل الغلات ، وأن ترك في سنبلها وتهزن في مواضعها ، وأن يحفروا الآبار في الطرق . ففعلوا ذلك فصارت كأنها تلال . فلما كان في صفر سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، وسار من مراكش يريد إفريقية ومعه من العساكر مائة ألف مقاتل ومن السوقة والأتباع أمثالهم وبالغ في حفظ العساكر حتى كانوا يسيرون بين الزروع فلا تتأذى بهم سنبلة واحدة . وإذا نزلوا صلوا جميعهم مع إمام واحد بتكبيرة واحدة لا يختلف منهم أحد . وقدم بين يديه الحسن بن علي بن يحيى بن تميم الذي كان صاحب المهدية وإفريقية .
فسار حتى وصل إلى مدينة تونس في الرابع والعشرين من جمادى الآخرة . وأقبل الأسطول في البحر في سبعين شينياً وطريدة وشلندي . فنازلها وأرسل إلى أهلها يدعوهم إلى الطاعة . فامتنعوا وقاتلوا أشد قتال . فلما جاء الليل خرج إليهم سبعة عشر رجلاً من أعيان أهلها ، وسألوا عبد المؤمن الأمان لأهل بلدهم . فأجابهم إلى الأمان لهم في أنفسهم وأهلهم وأموالهم لمبادرتهم إلى الطاعة وأما من عداهم من أهل البلد فأمنهم في أنفسهم وأهليهم ، ويقاسمهم أموالهم وأملاكهم نصفين ، وأن يخرج صاحب البلد هو وأهله . فاستقر ذلك وتسلم البلد . وأرسل أمناء ليقاسموا الناس على أموالهم . وأقام عليها ثلاثة أيام . وعرض الإسلام على من بها من اليهود والنصارى ، فمن أسلم سلم ، ومن أبى قتل .
وسار عبد المؤمن إلى المهدية والأسطول يحاذيه في البحر . فوصل إليها في ثاني عشر شهر رجب من السنة . وبها أولاد ملوك الفرنج وأبطال الفرسان ، وقد أخلوا

الصفحة 171