كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 172 """"""
مدينة زويلة وبينها وبين المهدية غلوة سهم . فدخلها عبد المؤمن ، وامتلأت بالعساكر والسوقة فاصارت مدينة معمورة في ساعة واحدة . ومن لم يكن له من العسكر موضع نزل بظاهرها . وانضاف إليهم من صنهاجة والعرب وأهل البلاد ما يخرج عن الإحصاء . وأقبلوا على قتال من بالمهدية ، وهي لا يؤثر فيها شي لحصانتها وقوة سورها وضيق موضع القتال عليها لأن البحر دائر بأكثرها ، وهي كأنها كف في البحر وزندها متصل بالبر . فكانت شجعان الفرنج تخرج إلى أطراف العسكر فينالون منه ويسرعون العود . فأمر عبد المؤمن ببناء سور من غربي المدينة يمنعهم من الخروج . وأحاط الأسطول بها في البحر . وهال عبد المؤمن ما رأى من حصانة البلد ، وعلم أنها لا تفتح بقتال ، وليس لها غير المطاولة . قال للحسن : كيف نزلت عن هذا الحصن ؟ فقال : " لقلة من يوثق به وعدم القوت وحكم القدر . فقال : صدقت . وأمر بجمع الغلات ففلم يمض غير قليل حتى صار في العسكر كالجبلين من الحنظة والشعير . وتمادى الحصار .
وفي مدته أطاع عبد المؤمن أهل سفاقس وطرابلس وجبال نفوسة وقصور إفريقية وما والاها . وفتح مدينة قابس وأتاه يحيى ابن تميم صاحب قفصة ومعه جماعة من أعيانها . ولما قدموا عليه دخل حاجبه عبد السلام الكوفي يستأذنه عليهم . فقال له عبد المؤمن : أتى عليك ليس هؤلاء أهل قفصلة . فقال : لم يشتبه علي وإنهم أهلها . فقال عبد المؤمن : كيف يكون ذلك والمهدي يقول : إن أصحابنا يقطعون أشجارها ويهدمون أسوارها ؟ ومع هذا فنقبل منهم ونكف عنهم وننتظر ما يكون ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وقضى شغلهم وأرسل معهم طائفة من الموحدين ، وفيهم زكري بن يومون ، وولاه عليها . وورد في جملة أهل قفصة شاعر منهم ، فمدحه بقصيدة أولها :
ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل . . . مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي

الصفحة 172