كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 173 """"""
فلما أنشده هذا البيت قال : حسبك ووصله بألف دينار .
قال : ولما كان في يوم الاثنين لثمان بقين من شعبان سنة أربع وخمسين ، جاء أسطول صاحب صقلية في مائة وخمسين شينياً غير الطرائد ، فقاتلهم أسطول عبد المؤمن فانهزموا . وتبعهم المسلمون وأخذوا منهم سبعة شوان . فحينئذ أيس من بالمهدية من النجدة .
وصبروا على الحصار إلى آخر ذي الحجة من السنة حتى فنيت أقواتهم وأكلوا خيلهم . فنزل عشرة من فرسانهم إلى عبد المؤمن وسألوه الأمان لمن فيها من الفرنج على أنفسهم وأموالهم ، ليخرجوا منها ويعودوا إلى بلادهم . فعرض عليهم الإسلام ، فأبوا . ولم يزالوا يستعطفونه حتى أجابهم وأمنهم . وأعطاهم سفناً فنزلوا فيها . وساروا إلى جزيرة صقلية . وكان الفصل شتاء ، فغرق أكثرهم ولم يصل منهم إلى صقلية إلا القليل . وكان صاحب صقلية قد قال : إن قتل عبد المؤمن أصحابنا بالمهدية قتلنا المسلمين الذين بجزيرة صقلية وأخذنا حرمهم وأموالهم . فأهلك الله الفرنج غرقاً وكان مدة استيلاء الفرنج على المهدية اثنتي عشرة سنة . ودخل عبد المؤمن مدينة المهدية بكرة عشوراء سنة خمس وخمسين وخمسمائة . وسماها عبد المؤمن سنة الأخماس . وأقام بالمهدية عشرين يوماً . ورتب أحوالها ، ونقل إليها الذخائر من الأقوات والسلاح والعدد والرجال . واستعمل عليها أبا عبد الله محمد ابن فرج . وجعل معه الحسن بن علي بن يحيى الذي كان صاحبها . وأمره أن يقتدي برأيه في أفعاله . وأقطع الحسن بها إقطاعاً وأعطاه دوراً بالمهدية . ورتّب لأولاده وعبيده أرزاقاً . ثم رحل عبد المؤمن من المهدية في غرة صفر سنة خمس وخمسين وخمسمائة .
ذكر أيقاعه عبد المؤمن بالعرب
كان سبب ذلك أنه لما أراد العود إلى بلاد المغرب بعد فراغه من أمر المهدية - جمع أمراء العرب من بني رياح الذين كانوا بإفريقية ، وقال لهم : إنه قد وجب علينا نصرة الإسلام ، وإن المشركين قد استفحل أمرهم بجزيرة الأندلس . واستولوا على كثير منها مما كان بيد المسلمين ، وما يقاتلهم أحد مثلكم ، فبكم فتحت البلاد أول الإسلام ، وبكم دفع عنها العدو الأول . ونريد منكم عشرة آلاف فارس من أهل النجدة والشجاعة يجاهدون في سبيل الله فأجابوه بالسمع والطاعة فحلفهم على ذلك .

الصفحة 173