كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 179 """"""
مصر في أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب مع قراقوش مملوك تقي الدين . واجتمع عليه مسعود بن زمام وجماعة من العرب ، ونزلوا على طرابلس وملكوها ، واستولى على كثير من بلاد إفريقية .
فعند ذلك طمع صاحب قفصة ونزع يده من الطاعة ، واستبد بالأمر . ووافقه أهل بلده فقتلوا من عندهم من الموحدين وذلك في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة . فكتب والي بجاية إلى أبي يعقوب بالخبر واضطراب أمور البلاد . فسد الثغور التي يخشى عليها بعد مسيره . وسار إلى إفريقية في سنة خمس وسبعين ، ونزل على مدينة قفصة وحصرها ثلاثة أشهر ، وقطع أشجاره . فلما اشتد الأمر على صاحبها خرج منها مستخفياً لم يعلم به أحد من أهل البلد . وجاء إلى خيمة أبي يعقوب فاستأذن عليه . فأذن له وقد عجب من إقدامه على الدخول عليه بغير أمان . فدخل عليه واستعطفه وقال : " قد حضرت أطلب عفو أمير المؤمنين عني وعن أهل بلدي ، وأن يفعل ما هو أهله . فعفا عنه وعن أهل بلده . وتسلم المدينة في أول سنة ست وسبعين وخمسمائة وسيره إلى المغرب فكان مكرماً عزيزاً ، وأقطعه ولاية كبيرة . ورتب لقفصة والياً من الموحدين .
ووصل مسعود بن زمام أمير العرب إلى يوسف . فعفا عنه وسيره إلى مراكش . وتوجه يوسف إلى المهدية وشاهدها .
ووافها رسول من صاحب صقلية يلتمس الصلح ، فهادنه عشر سنين ، ورجع إلى المغرب .
ذكر وفاة أبي يعقوب يوسف
كانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة ثمانين وخمسمائة . وكان قد سار إلى بلاد الأندلس في جمع عظيم . فلما عبر الخليج قصد غزو الفرنج ، فحصر مدينة شنترين شهراً . فأصابه بها مرض ، فمات وحمل في تابوت إلى مدينة إشبيلية . وكانت مدة ولايته اثنتين وعشرين سنة وشهوراً .
ومات وله عدة من الأولاد ، رأيت في بعض التواريخ أنهم كانوا خمسة عشر ، وهم عمر ، ويعقوب وهو ولي عهده ، وأبو بكر ، وعبد الله ، وأحمد ، ويحيى ، وموسى ، وإبراهيم ، وإدريس ، وعبد العزيز ، وطلحة ، وإسحاق ، ومحمد ، وعبد الواحد ، وعثمان ، وعبد الحق ، وعبد الرحمن . فهذه سبعة عشر عدها وجمع على خمسة عشر ، والله أعلم .

الصفحة 179