كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 181 """"""
فاتصل الخبر بأبي يوسف فجهز العساكر واستعادها في صفر سنة إحدى وثمانين . وكان بها يحيى وعبد الله أخوا علي بن إسحاق قد تركهما بها وتوجه لحصار القسنطينة ، فخرجا منها هاربين والتحقا بأخيهما . فأقلع إلى جهة إفريقية واجتمع بمن بها من العرب وانضاف إليه الترك الذين كانوا قد دخولها من مصر . ودخل من مصر مملوك آخر اسمه بوزابه ، فانضم إليه ، وكثر جمعه ، وقويت شوكته . واتبعوه جميعاً لأنه من بيت الملك ولقبوه بأمير المسلمين . فقصد بلاد إفريقية فملكها شرقاً وغرباً إلا مدينتي تونس والمهدية ، فإن الموحدين حفظوهما على خوف وضيق وشدة . وانضاف إلى الملثم كل مفسد يريد الفتنة والفساد والنهب .
فأرسل الوالي على تونس وهو عبد الواحد بن عبد الله الهنتاني إلى أبي يوسف يعلمه بالحال . فلما ورد عليه الخبر اختار من عساكره عشرين ألف فارس من الموحدين . وقصد لقلة العساكر لقة القوت في البلاد . وسار في صفر سنة ثلاث وثمانين ، فوصل إلى مدينة تونس . وأرسل ستة آلاف مع ابن أخيه أبي حفص ، فساروا إلى علي بن إسحاق الملثم وهو بقصفة فوافوه . وكان مع الموحدين جماعة من الترك الذين كانوا مع قراقوش ، فلما التقوا خامر الترك عليهم ، وانضموا إلى أصحابهم الذين مع الملثم . فانهزم الموحدون وقتل جماعة من مقدميهم . وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين .
قال : فأقام أبو يوسف بمدينة تونس إلى نصف شهر رجب منها . ثم خرج في خمسة عشر ألف فارس من الموحدين وسار يريد حرب الملثم . فالتقوا بالقرب من مدينة قابس واقتتلوا . فانهزم الملثم ومن معه . وأكثر الموحدون القتل فيهم حتى كادوا يفنونهم .
ورجع من يومه إلى قابس ففتحها . وأخذ منها أهل قراقوش وأولاده وأمواله فحملهم إلى مراكش .
وتوجه إلى مدينة قفصة فحصرها ثلاثة أشهر ، وقطع أشجارها ، وخرب ما حولها . فأرسل إليه الترك الذين كانوا بها في السر يسألونه الأمان لأنفسهم ولأهل قفصة . فأجابهم إلى ذلك . وخرج الأتراك منها سالمين فسيرهم إلى الثغور لما رآه من شجاعتهم ونكايتهم . وتسلم يعقوب البلد وقتل من فيه من الملثمين . وهدم أسواره ، وترك المدينة مثل قرية . وظهر ما قاله المهدي . ولما فرغ من أمر قفصة واستقامت له إفريقية ، عاد إلى مراكش . فكان وصوله إليها في سنة أربع وثمانين .

الصفحة 181