كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 183 """"""
الراحات . وأنا أسومهم سوم الخسف ، وأسبي الذراري ، وأخلي الديار ، وأمثّل بالكهول ، وأقتل الشباب ، ولا عذر لك في التخلف عن نصرتهم ، وقد أمكنتك منهم القدرة ، وأنتم تعتقدون أن الله تعالى فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم . والآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً ، وقد فرض عليكم قتال اثنين منا بواحد منكم . ونحن الآن نقاتل عدداً منكم بواحد منا . ولا تقدرون دفاعاً ولا تستطيعون امتناعاً . ثم حكي لي عنك أنك أخذت في الاحتفال وأشرفت على ربوة القتال ، وتمطل نفسك عاماً بعد عام ، تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى . ولا أدري : الجبن أبطأ بك أم التكذيب بما أنزل عليك ؟ وحكي لي عنك أنك لا تجد سبيلاً إلى جواز البحر لعلة ما يسوغ لك التقحّم بها فها أنا أقول لك ما فيه الراحة وأعتذر عنك . ولك أن توفيني بالعهود والمواثيق والأيمان : أن توجّه بجملة من عبيدك في الشواني والمراكب وأجوز إليك بجملتي . وأبارزك في أعز الأماكن عندك . فإن كانت لك ، فغنيمة عظيمة جاءت إليك وهدية مثلت بين يديك . وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك واستحققت إمارة المسلمين والتقدم على الفئتين . والله يسهل الإرادة ويقرب السعادة بمنه ، ولا رب غيره ولا خير إلا خيره .
قال : فلما وصل كتابه وقرأه كتب في أعلاه : " ارجع إليهم فنأتينّهم بجنود لا قبل هلم بها ولنخرجنّهم منها أذلة وهم صاغرون . وأعاده إليه . وجمع عساكره وعبر المجاز إلى الأندلس .
وقيل : كان سبب عبوره إلى الأندلس أنه لما صالح الفرنج في سنة ست وثمانين على ما ذكرناه ، بقيت طائفة من الفرنج لم ترض بالصلح . فلما كان الآن جمعت تلك الطائفة جمعاً من الفرنج وخرجوا إلى بلاد الإسلام فقتلوا وسبوا وأسروا وغنموا وعاثوا . فانتهى ذلك إلى أبي يوسف . فجمع العساكر وعبر إلى الأندلس في جيش يضيق به الفضاء . وجمعت الفرنج قاصيها ودانيها ، وأقبلوا إليه مجدّين واثقين بالظفر لكثرتهم . والتقوا في تاسع شعبان من السنة شمالي قرطبة عند قلعة رباح بمكان يعرف بمرج الجديد . واقتتلوا قتالاً عظيماً . وكانت الحرب قال : أولها على المسلمين ثم صارت الدائرة على الفرنج . فانهزموا أقبح هزيمة وانتصر المسلمون عليهم .
وكان عدد من قتل من الفرنج مائة ألف وستة وأربعين ألفاً . وأسر ثلاثة عشر ألفاً . وحاز المسلمون من الخيل ستة وأربعين ألفاً ومن البغال مائة ألف ، ومن الحمير

الصفحة 183