كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 186 """"""
وحكى بعض المؤرخين أنه كان في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة أظهر الزهد والتقشف وخشونة المأكل والملبس . وانتشرت في أيامه الصالحون وأهل الحديث . وانقطع علم الفروع . وأمر بإحراق كتب المذهب عبد أن يجرد منها الحديث والقرآن . فحرق منها جملة في سائر البلاد كالمدونة وكتاب ابن يونس ، ونوادر ابن أبي زيد ، ومختصره ، والتهذيب للبرادعي ، والواضحة . وأمر بجمع الحديث من المصنفات كالبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والموطأ ، وسنن أبي داود ، والبزار ، وابن أبي شيبة ، والدار قطني ، والبيهقي ، فجمع ذلك كله . فكان يمليه بنفسه على الناس ويأخذهم بحفظه . قال : وانتشر هذا المجموع في بلاد المغرب ، وحفظه العوام والخواص . وكان يجعل لمن حفظه الجوائز السنية . وكان قصده أن يمحو مذهب مالك من بلاد المغرب ، ويحمل الناس على الظاهر من الكتاب والسنة . وكان له من الأولاد محمد وهو ولي عهده ، وإبراهيم ، وعبد الله ، وعبد العزيز ، وأبو بكر ، وزكريا ، وإدريس ، وعيسى ، وموسى ، وصالح ، وعثمان ، ويونس ، وسعد ، ومساعد . فهؤلاء أربعة عشر ولداً . ولما مات ولي بعده ابنه محمد .
ذكر ولاية محمد أبي عبد الله محمد بن أبي يوسف يعقوب بن أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ابن علي الملقب الناصر لدين الله
كان أبوه قد ولاه العهد في حياته . واستقل بالملك بعده ، واستقام أمر دولته ، وأطاعه الناس ، وذلك في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وخمسمائة . ولما ولي اتصل به فساد إفريقية . فأنفذ عمه أبا العلاء في سبعين شينياً مشحونة بالعدد والمقاتلة . وجهز جيشاً في البر مع أبي الحسن علي بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن فوصل إلى قسنطينة الهواء . ووصل الأسطول إلى بجاية . فلما اتصل خبرهم بعلي بن إسحاق ومن معه من العرب هربوا وتركوا إفريقية ودخلوا إلى الصحراء . وتمادى بعض الأسطول إلى المهدية ، فقبح مقدمهم على محمد بن عبد الكريم فعله . فشكان إليه ما ناله من أبي سعيد ، وقال : أنا في طاعة سيدنا أمير المؤمنين محمد ، وما أسلم المهدية إلا له أو لمن يأمرني بتسليمها إليه . وأما أبو سعيد فلا أسلمها إليه أبداً . فأرسل محمد من تسلمها منه . وعاد إلى الطاعة .

الصفحة 186