كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 19 """"""
باجة فتحصنوا بها . وتحصن البربر بمدينة بونة . وعاد حسان إلى القيروان فأقام بها حتى أراح واستراح .
ذكر حروب حسان والكاهنة وتخريب إفريقية وقتل الكاهنة
قال : ثم قال حسّان للناس : دلوني على أعظم من بقي من ملوك إفريقية . فدلوه على امرأة تملك البربر تعرف بالكاهنة ، وقالوا : إنها بجبل أوراس ، وهي بربرية اجتمع البربر عليها بعد قتل كسيلة . وكانت تخبر بأشياء فتقع كما أخبرت عنها . وعظّموا محلّها عند حسان وقالوا : إن قتلتها لم تختلف البربر بعدها عليك . فسار إليها . فلما قاربها هدمت حصن باغاية ، ظنّا منها أنه يريد الحصون . فلم يعرج حسان على ذلك وسار إليها . فالتقوا على نهر نيني واقتتلوا أشد قتال . فانهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير وأسرت جماعة من أصحابه . فأكرمتهم الكاهنة وأطلقتهم إلا خالد بن يزيد القيسي ، وكان شريفاً شجاعاً فاتخذته ولداً .
وسار حسان منهزماً وفارق إفريقية . وكتب إلى عبد الملك بما كان من أمره . فأمره بالمقام إلى أن يأتيه أمره . فأقام بعمل برقة خمس سنين فسمّي ذلك المكان قصور حسان . وملكت الكاهنة إفريقية كلها وأساءت السيرة في أهلها .
ثم بعث عبد الملك إلى حسان بالأموال والجيوش . وأمره بالمسير إلى إفريقية وقتال الكاهنة . فسار إليها . فقالت الكاهنة لقومها : إن العرب يريدون البلاد والذهب والفضة ، ونحن إنما نريد المزارع والمراعي ، ولا أرى إلا خراب إفريقية حتى ييأسوا منها . وفرقت أصحابها ليخربوا البلاد فخربوها ، وهدموا الحصون ، وقطعوا الأشجار ونهبوا الأموال . قال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم : وكانت إفريقية من طرابلس إلى طنجة ظلاً واحداً وقرى متصلة ، فأخربت ذلك . فلما قرب حسان من البلاد ، لقيه جمع من أهلها من الروم يستغيثون به من الكاهنة . فسره ذلك . وسار إلى قابس . فلقيه أهلها بالأموال والطاعة ، وكانوا قبل ذلك يتحصنون من الأمراء . فجعل فيها

الصفحة 19