كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 198 """"""
ذكر فتح قصريانة وهي دار مملكة الروم بجزيرة صقلية
قال المؤرخ : كانت سرقوسة دار ملك الجزيرة إلى أن فتح المسلمون بلرم .
فانتقل الروم إلى قصريانة لحصانتها وجعلوها دار ملكهم . فلما كان في سنة أربع وأربعين ومائتين ، خرج العباس بن الفضل فوصل إلى قصريانة وسرقوسة . وأخرج أخاه علياً في المراكب الحربية في البحر . فلقيه الإقريطشي في أربعين شلنديا . فقاتلهم أشد قتال ، فهزمهم وأخذ منهم عشر شلنديات برجالها ، ورجع .
ثم سير العباس سرية إلى قصريانة فغنموا وقدموا بعلج . فأمر العباس بقتله ، فقال له العلج : استبقني ولك عندي نصيحة . فخلا به وسأله : ما النصيحة ؟ فقال أدخلك قصريانة فعند ذلك خرج العباس في كانون في أنجاد رجاله ، والعلج معه ، وهو في ألف فارس وسبعمائة راجل ، فجعل على كل عشرة مقدماً . ثم سار بهم ليلاً حتى نزل على مرحلة من جبل الغدير . وقدم عمه رباحاً في خيار أصحابه . وأقام هو بموضعه وهو مستتر . ومضى عمه رباح بمن معه يدبون دبيباً حتى صاروا إلى جبل المدينة ، والعلج معهم . فأراهم الموضع الذي ينبغي أن توضع عليه السلاليم . فتلطفوا في الصعود إلى الجبل ، وذلك الوقت قريب الصبح وقد نام الحرس . فلما وصلوا إلى السور ، دخلوا من خوخة كانت في السور يدخل منها الماء . ووضعوا السيف . وفتحوا الأبواب . وأقبل العباس يجد السير . وقصد باب المدينة ، ودخلها صلاة الصبح من يوم الخميس لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال . وقتل من وجد بها من المقاتلة ، وكان بها بنات البطارقة وأبناء ملوك الروم . فوجد المسلمون بها ما لا يحصى من الأموال . وبني العباس فيها مسجداً في يومه ، ونصب فيه منبراً ، وخطب عليه الخطيب يوم الجمعة .
وما زال العباس يداوم الغزو بنفسه إلى أن توفي في يوم الجمعة لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين ومائتين . فكانت ولايته إحدى عشرة سنة .
قال : ولما مات العباس ، ولّي الناس على أنفسهم أحمد بن يعقوب .
ثم ولوا عبد الله بن العباس ، وكتبوا إلى أمير القيروان . فولي خمسة أشهر .

الصفحة 198