كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 208 """"""
مدينة سرقوسة وما يليها . وخرج منها بعسكر إلى مدينة قطانية فدخلها ، وقتل ابن المكلاتي وملكها .
وكان ابن المكلاتي مصاهراً للقائد علي بن نعمة المعروف بابن الجواش بأخته ميمونة . فلما انقضت عدّتها ، خطبها ابن الثمنة لأخيها ، فزوجه بها ، وكانت امرأة عاقلة . فجرى بينهما وبينه في بعض الأيام خصام أدى إلى أن أغلظ لها في القول ، فأجابته بمثله . وكان سكران ، فغضب وأمر بفصدها في عضديها وتركها لتموت . فسمع ولده إبراهيم فحضر وأحضر الأطباء ، وعالجها إلى أن عادت قوتها . ولما أصبح أبوه ندم واعتذر إليها بالسكر ، فأظهرت قبول عذره . ثم طلبت منه بعد مدة أن تزور أخاها ، فأذن لها وسير معها التحف والهدايا . فلما وصلت إليه ذكرت له ما فعل بها ، فحلف أنه لا يعيدها إليه . فأرسل ابن الثمنة يطلبها فلم يردها إليه ، فجمع عساكره ، وكان قد استولى على أكثر الجزيرة وخطب له بالمدينة وسار لحرب ابن الجواش بقصريانة . فخرج إليه وقاتله . فانهزم ابن الثمنة ، وتبعه وقتل من أصحابه فأكثر . فلما رأى ابن الثمنة أن عساكره قد تمزقت أراد الانتصار بالكفار .
ذكر استيلاء الفرنج - خذلهم الله تعالى - على جزيرة على صقلية
كان سبب ذلك أنه لما وقعت الحرب بين ابن الثمنة وابن الجواش وانهزم ابن الثمنة ، سار إلى مدينة ملطية ، وكانت بيد الفرنج ملكوها في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة . وكان ملكها حينئذ رجار الفرنجي . فوصل إليه وقال : أنا أملّكك الجزيرة . فسار معه في شهر رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة . فلم يلقوا من يدافعهم ، واستولوا على ما مروا عليه في طريقهم . وقصد بهم قصريانة فقاتلهم ابن الجواش . فهزمه الفرنج فرجع إلى الحصن . فرحلوا عنه واستولوا علىمواضع كثيرة . ففارق الجزيرة كثير من العلماء والصالحين .
وسار جماعة من أهل صقلية إلى المعز بن باديس ، وذكروا له ما الناس فيه بالجزيرة من الخلف وغلبة الفرنج على كثير منها . فعمر أسطولاً كبيراً وشحنه بالرجال والعدد . وكان الزمان شتاء ، فساروا إلى قوصرة . فهاج عليهم البحر ، فغرق أكثرهم ولم ينج إلا القليل . وكان ذهاب هذا الأسطول مما أضعف المعز بن باديس وقوي العرب عليه حتى أخذوا البلاد منه . فملك حينئذ الفرنج أكثر البلاد على مهل وتؤدة لا يمنعهم أحد . واشتغل المعز بما دهمه من العرب .

الصفحة 208