كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 210 """"""
فلما كان في أيام الوليد فتح بعضها .
ثم غزاها حميد بن معيون الهمداني في أيام الرشيد ففتح بعضها .
ثم غزاها أبو حفص عمر بن شعيب الأندلسي المعروف بالأقريطشي في أيام المأمون . ففتح منها حصناً واحداً . ولم يزل يفتح شيئاً بعد شيء حتى لم يبق بها من الروم أحد ، وأخرب حصونهم وتداولها بنوه بعده .
ولما جرى لأهل قرطبة مع الحكم بن هشام الأموي وقعة الربض التي ذكرناها في سنة ثمان وسبعين ومائة ، أخرج جماعة منهم . فوصلوا إلى الإسكندرية وأقاموا بها ، فعمرت بهم وصار فيها منهم خلق كثير . فغلبوا على الإسكندرية وملكوها إلى أن جاء عبد الله بن طاهر إلى الإسكندرية وأخرجهم منها كما ذكرنا ذلك في أخبار الدولة العباسية في أيام المأمون بن الرشيد . فصالحهم على مال ونقلهم إلى جزيرة أقريطش . فعمروها وملكوا عليهم رجلاً منهم . وعمروا فيها أربعين قطعة . وغزوا جميع ماحولها من جزائر القسطنطينية ففتحوا أكثر الجزائر وغنموا وسبوا .
ولم يكن لملك القسطنطينية بهم قبل ، فأفكر فيما يفعله معهم من المكر والخديعة . فأقبل الملك أرمانوس إلى عبد العزيز بن شعيب ابن عمر صاحب جزيرة أقريطش . وتقرب إليه بالهدايا والتحف ، وأظهر له المودة والمحبة . فلما استحكمت الوصلة بينهم وتأكدت ، أنفذ أرمانوس رجلاً من المسلمين ومعه هدية جليلة . فلما حضر بين صاحب أقريطش وقدم الهدية ، قال له : الملك يسلم عليك ويقول لك : نحن جيران وأصدقاء ، وهؤلاء المساكين سكان الجزائر قوم ضعفاء فقراء ، وقد خلا أكثرهم من خوفك ، وقلوبهم تحن إلى أوطانهم . ولي ولك بهم راحة وفائدة . فإن خفّ عليك أن تحسب ما يحصل لك من غزوهم في كل عام وأنا أضاعفه لك أضعافاً ، وتؤمنّهم وترفع عنهم الغزو وتفسح لهم في السفر إلى جزيرتك ، ويتوجه التجار إليك ، ويحصل لك من الحقوق أضعاف ما يحصل لك من الغزو . فأجابه إلى سؤاله . وتحالفا وتصالحا واتفقا على مال يؤدّي في كل عام ، فوفى له أرمانوس بجميع ذلك . وألزم التجار بالسفر إلى أقريطش والقسطنطينية وجميع الجزائر . فكثرت أموال صاحبها وأخذ في جمع الأموال واختصر العطاء للجند .
ثم وقع بالقسطنطينية قحط وغلاء . فأنفذ الملك إلى صاحب إقريطش رسولاً يقول : قد وقع بالبلاد ما اتصل بك من الجدب . ولنا خيل عراب برسم النتاج تعزّ

الصفحة 210