كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 211 """"""
علينا ، فإن رأيت أن أنفذها إلى الجزيرة ، وما نتجت من الذكور تكون للملك ، وما نتجت من الإناث فهو لك . فأجباه إلى ذلك . فأرسل إلى الجزيرة خمسمائة فرس في المراكب ومعها رعاتها .
فلما استقرت الخيل بالجزيرة ، عبأ العساكر على تلطف واستخفاء ، وقدم عليها نخفور الدمستق وأنجاد رجاله ، وذلك في غرة المحرم سنة خمس وثلاثمائة . فدخل الأسطول إلى الجهة التي فيها الأفراس . ونزل كل فارس بسرجه ولجامه وشدوا له على فرس وفاجئوا أهل الجزيرة على غرة وغفلة . فملكوها وقتلوا صاحبها ومن معه من الجند ، وعفا عن قتل الرعية . ووجدوا الأموال التي كانوا بذلوها مضاعفة فأخذوها . وسبوا نساء الأجناد وذراريهم . وشحنوها بالعدد والأجناد .
ذكر تنصر أهل أقريطش
قال المؤرخ : ولما قرب عيد الميلاد ، أمروا أكابر الجزيرة بالمسير إلى الملك للهناء بالعيد . فتوقف الأمائل ونفّذوا مائة رجل من أوساط القوم . فلما وصلوا إلى الملك وسلموا عليه ، أمر بإكرامهم ، وخلع عليهم ، وأمر لكل رجل منهم بعشر أوان من الذهب . فرجعوا فرحين ، وندم من تأخر عن المسير . فلما أقبل عيد الفصح ، تهيأ أكابر أهل الجزيرة للمسير ، واجتمع منهم جماعة كبيرة . فلما وصلوا إلى القسطنطينية ، أمر الملك أن يجعلوا في موضع ، وجعل عليهم حرساً . ومنعوا من الطعام والشراب إلى أن أيقنوا بالهلاك . فشكوا ذلك إلى الموكلين بهم وقالوا : القتل خير لنا من هذا . وما الذي يريده الملك منا ؟ قالوا : إنه يريد دخولكم في دين النصرانية ، فإن لم تجيبوا متم على هذه الحالة وسبيت ذراريكم . فلما اشتد عليهم البلاء تنصروا فخلع عليهم ، وتوجهوا إلى أهاليهم .
فلما وصلوا الجزيرة منعوا الدخول إلى بيوتهم . وقيل لهم : أنتم نصارى وهؤلاء مسلمون . فإن دخلوا في دين الملك اجتمعتم ، وإن أبوا ملكناهم . فتنصر الباقون في يوم واحد . ثم مات الاباء وبقي الأولاد على أشد ما يكون في دين النصرانية والبغض في المسلمين . نسأل الله تعالى أن لا يمكر بنا ولا بأهالينا ولا بذرارينا ولا بعقبنا ، ولا يمتحننا في ديننا ، وأن يجعل عواقب أمورنا خيراً من مبادئها ، بمنّه وكرمه .
ولنصل هذا الفصل بذكر ما استولى عليه الفرنج من جزيرة الأندلس .

الصفحة 211