كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 215 """"""
دين القوم وما تذهب أحسابهم . فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال : كذبت والله أيها القحطاني ، فو الله لهو خير منك نفساً وأماً وأباً ومحتداً . وتناوله بكلام كثير ، وأخذ كفا من حصباء فضرب بها الأرض ثم قال : إنه والله مالنا على هذا من صبر . وقام . وشخص زيد إلى هشام بن عبد الملك فجعل هشام لا يأذن له فيرفع إليه القصص . فكلما رفع قصة يكتب هشام في أسفلها ارجع إلى منزلك . فيقول زيد : والله ، لا أرجع إلى خالد أبداً . ثم أذن له يوماً بعد طول حبس ، ورقى عليّة طويلة . وأمر خادماً أن يتبعه بحيث لا يراه زيد ويسمع ما يقول . فصعد زيد ، وكان بادناً ، فوقف في بعض الدرجة فسمعه يقول : والله ، لا يحب الدنيا أحد إلا ذل ثم صعد إلى هشام فحلف له على شيء . فقال : لا أصدقك فقال : يا أمير المؤمنين إن الله لم يرفع أحداً عن أن يرضى بالله ، ولم يضع أحداً عن أن لا يرضى بذلك منه فقال هشام : لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها ، ولست هناك وأنت ابن أمة . قال زيد : إن لك جواباً قال : فتكلم قال : إنه ليس أحد أولى بالله ولا أرفع درجة من نبي ابتعثه . وقد كان إسماعيل عليه السلام ابن أمة وأخوه من صريحة . فاختاره الله عليه ، وأخرج منه خير البشر . وما على أحد من ذلك إذا كان جده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما كانت أمه . قال له هشام : اخرج قال : أخرج ثم لا أكون إلا بحيث تكره فقال له سالم : يا أبا الحسين ، لا يظهرن هذا منك .
فخرج من عنده وسار إلى الكوفة . فقال له محمد بن عمر بن أبي طالب : أذكّرك الله يا زيد ، لما لحقت بأهلك ولا تأت أهل الكوفة فإنهم لا يفون لك . فلم يقبل وقال : خرج بنا أسرى على غير ذنب من الحجاز إلى الشام ثم إلى الجزيرة ثم إلى العراق إلى تيس ثقيف يلعب بنا . وقال :
بكرت تخوّفني الحتوف كأنني . . . أصحبت من غرض الحياة بمعزل
فأجبتها إن المنية منهل . . . لا بلد أن أسقي بكأس المنهل
إن المنية لو تمثّل مثّلت . . . مثلي إذ نزلوا بضيق المنزل
فاقني حياءك لا أبا لك واعملي . . . أني امرؤ سأموت إن لم أقتل

الصفحة 215