كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 217 """"""
أهل الكوفة وقالوا : نحن أربعون ألفاً لم يتخلف عنك أحد ، نضرب عنك بأسيافنا ، وليس ها هنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة بعض قبائلنا تكفيهم بإذن الله تعالى . وحلفوا بالأيمان المغلظة ، فجعل يقول : إني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كفعلكم بأبي وجدي فيحلفون له . فقال له داود بن علي : يا ابن عم ، إن هؤلاء يغرونك من نفسك ، أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك : جدك علي بن أبي طالب حتى قتل ، والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه ؟ أو ليس قد أخرجوا جدك الحسين وحلفوا له ثم خذلوه وأسلموه ، ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه ؟ فلا ترجع معهم فقالوا لزيد : إن هذا لا يريد أن تظهر أنت ، ويزعم أنه وأهل بيته أولى بهذا الأمر منكم فقال زيد لداود : إن علياً كان يقاتله معاوية بدهائه ومكره ، وإن الحسن قاتله يزيد والأمر مقبل عليهم . فقال لداود : إني خائف إن رجعت معهم أن لا يكون أحد أشد عليك منهم ، وأنت أعلم . ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد إلى الكوفة .
فلما رجع زيد ، أتاه سلمة بن كهيل فذكر له قرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وحقه فأحسن . ثم قال له : نشدتك الله : كم بايعك ؟ قال : أربعون ألفاً قال : فكم بايع جدك ؟ قال : ثمانون ألفاً . قال : فكم حصل معه ؟ قال : ثلاثمائة قال : نشدتك الله : انت خير أم جدك ؟ قال : جدي . قال : فهذا القرن خير أم ذلك القرن ؟ قال : ذلك القرن . قال : أفتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجدك ؟ قال : قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وعنقهم . قال : أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد ، فلا آمن أن يحدث حدث فلا أملك نفسي . فأذن له فخرج إلى اليمامة .
وكتب عبد الله بن الحسن بن الحسن إلى زيد : أما بعد ، فإن أهل الكوفة نفخ العلانية ، خور السريرة ، هرج في الرخاء ، جزع في اللقاء ، تقدمهم ألسنتهم ، ولا تشايعهم قلوبهم . ولقد تواترت إلى كتبهم بدعوتهم ، فصممت عن ندائهم وألبست قلبي عشاء عن ذكرهم يأساً منهم واطراحا لهم . ومالهم مثل إلا ما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن أهملتم خضتم ، وإن حوربتم خرتم ، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم ، وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم فلم يصغ زيد إلى شيء من ذلك وأقام على حاله يبايع الناس ويتجهز للخروج .

الصفحة 217