كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 25 """"""
قال : ولما ركب طارق البحر غلبته عينه ، فرأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومعه المهاجرون والأنصار وقد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسى . فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) له : يا طارق تقدم لشأنك . وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد . ونظر طارق فرأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه قد دخلوا الأندلس أمامه . فاستيقظ من نومه ، وبشر أصحابه ، وقويت نفسه ، وأيقن بالظفر .
فلما تكامل أصحاب طارق بالجبل نزل إلى الصحراء ، وفتح الجزيرة الخضراء فأصاب بها عجوزاً . فقالت له : إنّي كان لي زوج ، وكان عالماً بالحوادث ، وكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم ويغلب عليه ، ووصف من صفته أنه صخم الهامة وأن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر . فكشف طارق ثوبه فإذا الشامة كما ذكرت فاستبشر .
قال : ولما فتح الجزيرة الخضراء وفارق الحصن الذي في الجبل ، بلغ رذريق خبره . فأعظم ذلك ، وكان غائباً في غزاة فرجع منها ، وقد دخل طارق بلاده . فجمع له جمعاً يقال بلغ مائة ألف . فكتب طارق إلى موسى يستمده ويخبره بما فتح . فأمده بخمسة آلاف ، فتكامل المسلمون اثني عشر ألفاً ، ومعهم يليان يدلّهم على عورة البلاد ويتجسس لهم الأخبار . وأتاهم رذريق في جنده فالتقوا على نهر بكّة من أعمال شذونة لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين . واتصلت الحرب بينهم ثمانية أيام . وكان على ميمنة رذريق وميسرته ولدا الملك الذي كان قبله وغيرهما من أبناء الملوك . فاتفقوا على الهزيمة بغضاً لرذريق وقالوا : إنّ المسلمين إذا امتلأت أيديهم من الغنيمة عادوا إلى بلادهم وبقي الملك لنا . فانهزموا . وهزم الله رذريق ومن معه وغرق في النهر .
وسار طارق إلى مدينة إستجة في اتباعهم . فلقيه أهلا ومعهم من المنهزمين خلق كثير . فقاتلوه قتالاً شديداً ثم انهزم أهل الأندلس . ونزل طارق على عين بينها وبين مدينة إستجة أربعة أميال فسميت عين طارق .
قال : ولما سمع القوط بهاتين الخزيمتين ، قذف الله في قلوبهم الرعب ، وهربوا إلى طليطلة ، وأخلوا مدائن من الأندلس فقال له يليان : قد فرغت من الأندلس ، ففرّق جيوشك ، وسر أنت إلى طليطلة . ففرق جيوشه من مدينة إستجة : فبعث جيشاً إلى قرطبة ، وجيشاً إلى أغرناطة ، وجيشاً إلى مالقة ، وجيشاً إلى تدمير .

الصفحة 25