كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 26 """"""
وسار هو ومعظم الجيش إلى طليلطة . فلما بلغها وجدها خالية وقد لحق من بها بمدينة خلف الجبل يقال لها ماية . قال : وفتح سائر الجيوش الذين بعثهم ما قصدوه من البلاد . قال : ولما رأى طارق طليلطلة خالية ، ضم إليها اليهود وترك معهم رجالاً من أصحابه .
وسار هو إلى وادي الحجارة . وقطع الجبل من فج فيه فسمّى بفج طارق . وانتهى إلى مدينة خلف الجبل تسمى مدينة المائدة ، وفيها مائدة سليمان بن داوود عليهما السلام ، وهي من زبر جدة خضراء ، حافاتها وأرجلها منها مكللة باللؤلؤ والمرجان والياقوت وغير ذلك ، وكان لها ثلاثمائة وستون رجلاً .
ثم مضى إلى مدينة ماية فغنم منها . ورجع إلى طليلطة في سنة ثلاث وتسعين . وقيل : إنه اقتحم أرض جلّيقية فاخترقها حتى انتهى إلى مدينة استرقة ، وانصرف إلى طليطلة . ووافته جيوشه التي وجهها من إستجة بعد فراغهم من فتح تلك المدائن التي سيرهم إليها . ودخل موسى بن نصير الأندلس في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين في جمع كثير ، وقد بلغه ما صنع طارق فحسده . فلما نزل الجزيرة الخضراء قيل له : تسلك طريق طارق ؟ فأبى . فقال له الأدلاء : نحن ندلّك على طرق أشرف من طريقه ومدائن لم تفتح بعد . ووعده يليان بفتح عظيم ، فسر بذلك . فساروا به إلى مدينة ابن السليم فافتتحها عنوة . ثم سار إلى مدينة قرمونة ، وهي أحصن مدن الأندلس . فتقدم إليها يليان وخاصته على حال المنهزمين فأدخلوهم مدينتهم . وأرسل موسى إليهم الخيل ففتحوها لهم ليلاً . فدخلها المسلمون وملكوها . ثم سار موسى إلى إشبيلية ، وهي من أعظم مدائن الأندلس بنياناً وأغربها آثاراً فحصرها أشهراً وفتحها ، وهرب من بها . فأنزلها موسى اليهود . وسار إلى مدينة ماردة فحصرها ، وقد كان أهلها خرجوا إليه فقاتلوه قتالاً شديداً . فكمن لهم موسى ليلاً في مقاطع الصخر ، فلم يرهم الكفار . فلما أصبحوا زحف إليهم . فخرجوا إلى المسلمين على عادتهم . فخرج عليهم الكمين ، وأحدقوا بهم ، وحالوا بينهم وبين البلد ، وقتلوهم قتلاً ذريعاً . ونجا من سلم منهم

الصفحة 26