كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 29 """"""
ووقع في السقف . فانكسر لوح ونزل منه شيء من الدنانير . فأخذوا الجميع . وزادوا في الغلول ، فكان بعضهم يذبح الهرّ ، ويرمي ما في جوفه ، ويملأه دنانير ، ويخيط عليها ، ويلقيه في الطريق . فإذا خرج أخذه . وكان يضع قائم سيفه على الجفن ويملأه ذهباً . فلما ركبوا في البحر سمعوا قائلاً يقول : اللهم غرّقهم . فغرقوا عن آخرهم .
ذكر ولاية محمد بن يزيد مولى قريش ومقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير
قال : ثم استعمل سليمان بن عبد الملك محمد بن يزيد ، مولى قريش . وقال له عند ولايته : يا محمد ، اتق الله وحده لا شريك له ، وقم فيما وليتك بالحق والعدل . اللهم اشهد . فخرج محمد وهو يقول : مالي عذر إن أعدل . وكانت ولايته في سنة تسع وتسعين . فولي سنتين وشهوراً . وكتب إليه سليمان يأمره أن يأخذ آل موسى ابن نصير وكل من انتسب إليه حتى يقوموا بما بقي عليه وهو ثلاثمائة ألف دينار ولا يرفع عنهم العذاب . فقبض على عبد الله والي القيروان فحبسه في السجن . ثم وصل البريد من قبل سليمان يأمر بضرب عنقه .
وأما عبد العزيز فإنه لما استخلفه أبوه موسى على الأندلس سد ثغورها ، وضبط بلادها ، وافتتح مدائن كانت بقيت بعد أبيه ، وكان خيراً فاضلاً . فتزوج امرأة الملك لذريق . فحظيت عنده ، وغلبت على رأيه . فحملته على أن يأخذ أصحابه بالسجود له إذا دخلوا عليه كما كان يفعل بزوجها . فقال : إن ذلك ليس من ديننا . فلم تزل به حتى أمر بفتح باب قصير لمجلسه الذي كان يجلس فيه . فكان أحدهم إذا دخل عليه من الباب طأطأ رأسه فيصير كالراكع . فرضيت ببذلك وقالت : الآن لحقت بالملوك . وبقي أن أعمل لك تاجاً مما عندي من الذهب واللؤلؤ . فأبى . فلم تزل به حتى فعل . فانكشف للمسلمين ، فقالوا : تنصر . وفطنوا للباب . فثارثوا عليه ، فقتلوه في آخر سنة تسع وتسعين في آخر خلافة سليمان بن عبد الملك . ثم مكثوا بعد ذلك سنة لا يجمعهم إمام .
وحكى الواقدي قال : لما بلغ عبد العزيز بن موسى ما نزل بأبيه وأخيه وأهل بيته ، خلع الطاعة وخالف . فأرسل إليه سليمان رسولاً ، فلم يرجع . فكتب سليمان إلى حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع ووجوه العرب سرّاً بقتله . فلما خرج

الصفحة 29