كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 34 """"""
وأتي حنظلة برأسه فخر ساجداً لله . وقيل : إنه ما علم في الأرض مقتلة أعظم منها قتل فيها من البربر مائة وثمانون ألفاً . وكانوا صفرية يستحلون الدماء وسبي النساء . ثم أتي بعكاشة أسيراً فقتله حنظلة . وكتب بذلك إلى هشام . فكان الليث بن سعد يقول : ما غزوة كنت أحب أن أشهدها بعد غزوة بدر أحب إلى من غزوة القرن والأصنام .
ذكر أخبار عبد الرحمن بن حبيب
وتغلبه على إفريقية ورجوع حنظلة إلى المشرق
كان عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الهري قد هرب إلى الأندلس عند هزيمة كلثوم . فلم يزل يحاول أن يغلب على الأندلس ، وهو لا يمكنه ذلك ، إلى أن وجّه حنظلة بن صفوان أبا الخطار بن ضرار الكلبي إلى الأندلس وأطاعه الناس ودانت له البلاد . فخاف عبد الرحمن على نفسه . فخرج مستتراً وركب في البحر إلى تونس . فنزل بها في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين ومائة . ودعا الناس إلى نفسه فأجابوه .
وسار حتى نزل سمنجة . فأراد أصحاب حنظلة الخروج لقتاله فمنعهم حنظلة كراهة لهراقة دماء المسلمين ، وكان رجلاً ورعاً زاهداً لا يرى بذل السيف إلا في الكفرة والصّفرية الذي يستبيحون دماء المسلمين . فوجه حنظلة إلى عبد الرحمن جماعة من وجوه أهل إفريقية يدعوه إلى مراجعة الطاعة والرجوع عما هو عليه . فلما قدموا عليه أوثقهم في الحديد . وقال : إن رماني أحد من أوليائهم بحجر قتلتهم فبلغ ذلك من الناس كل مبلغ . فلما رأى حنظلة ذلك دعا القاضي وجماعة من أهل الدين والفضل . وفتح بيت المال بحضرتهم وأخذ منه ألف دينار وترك الباقي . وقال : ما آخذ منه إلا بقدر ما يكفيني يبلغني ثم شخص عن إفريقية في جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين ومائة .
وأقبل عبد الرحمن بن حبيب ودخل القيروان ونادى مناديه ألا يخرج أحد إلى حنظلة ولا يشيعه . وكان حنظلة مجاب الدعوة فقال : اللهم لا تهنّ عبد الرحمن بن حبيب هذا الملك ولا أهله ، واسفك دماءهم بأيديهم ، وابعث عليهم شرار خلقك . ودعا على أهل إفريقية . فوقع الوباء والطاعون بها سبع سنين لا يكاد يرتفع إلا وقتاً في الشتاء ووقتاً في الصيف .
قال : ولما ولي عبد الرحمن ، ثار عليه جماعة من العرب والبربر ثم ثار عليه عروة بن الوليد الصّدفي واستولى على تونس . ثم ثار عليه عرب الساحل . وقام ابن

الصفحة 34