كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 36 """"""
عبد المؤمن . وكانت ابنة عمهما تحت إلياس بن حبيب . فأنزلهما عبد الرحمن بدار شيبة بن حسان . وتسلك عليهما ليسمع كلامهما وكانا على نبيذ ، وغلامهما يسقيهما . فقال العاص : ما أغفل عبد الرحمن أيظن أنه يتهنى معنا بولاية ونحن أولاد الخلفاء ؟ . فنزل وانصرف ولم يعلما به ثم أمر بقتلهما . فقالت ابنة عمهما لزوجها إلياس : إنه قتل أختانك تهاوناً بك ، وجعل العهد من بعده لابنه حبيب وأنت صاحب حربه وسيفه الذي يصول به ولم تزل تغريه به . وكان عبد الرحمن إذا ثار عليه ثائر أو خرج عليه خارجي يرسل أخاه إلياس لقتاله . فإذا ظفر ، نسب الظفر لابنه حبيب وجعل العهد فيه . فاجتمع رأي إلياس بن حبيب وعبد الوارث أخيه على قتل عبد الرحمن أخيهما . ووالاهما على ذلك جماعة من أهل القيروان والعرب وغيرهم ، على أن يكون الأمر لإلياس ، والدعاء لأبي جعفر المنصور . فأتاه إلياس ليلاً فاستأذن عليه بعد العشاء الآخرة . فقال : ما جاء به وقد ودعني ؟ وكان إلياس قد عزم على الخروج إلى تونس . وأذن له ، فدخل عليه وهو في غلالة وردية وابن له صغير في حجره . فقعد طويلاً وعبد الوارث يغمز . فلما قام يودعه ، أكب عليه يعانقه ، فوضع السكين بين كتفيه حتى صارت إلى صدره . فصاح عبد الرحمن وقال : فعلتها يا ابن للخناء ؟ . ثم ضربه إلياس بالسيف . فاتقاه بمرفقه ، فأبان يده . وضربه حتى اثخنه . ودهش إلياس وخرج هارباً . فقال له أصحابه : ما فعلت ؟ . قال : قتلته . فقالوا : ارجع وحزّ رأسه ، وإلا قتلنا عن آخرنا . ففعل . وثارث الصيحة . وأخذ إلياس أبواب دار الإمارة .
ويسمع حبيب بن عبد الرحمن الصيحة فهرب من القيروان . وأصبح بقرب تونس فدخلها ، واجتمع مع عمه عمران بن حبيب ولحق بهما موالي عبد الرحمن من كل ناحية . فخرج إليهما إلياس إلى سمنجة . فوافياه بمن معهما . وهموا بالقتال . ثم اصطلحوا على أن يعود عمران إلى ولاية تونس وصطفورة والجزيرة ، ويكون حبيب على قفصة وقصيطلة ونفزاوة ، ولإلياس سائر إفريقية والمغرب .
ومضى إلياس مع عمران إلى تونس ، وانصرف حبيب إلى القيروان . فوثب إلياس على أخيه عمران ، وعلى عمر بن نافع بن أبي عبيدة الفهري ، وعلى الأسود بن موسى بن عبد الرحمن بن عقبة وعلى ابن قطن ، فشدهم وثاقاً ، ووجههم في سفينة إلى الأندلس إلى يوسف بن عبد الرحمن بن عقبة .

الصفحة 36