كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
ووصل ابن الأشعث إلى سرت . فخرج إليه أبو الخطاب حتى صار بورداسة . فلما قرب منه ذكر ابن الأشعث لأصحابه أن خبراً أتاه من المنصور بالرجوع إلى المشرق . وأظهر لهم المسرة بالرجوع . فشاع ذلك في الناس . وسار منصرفاً ميلاً من نزل . فانتهى ذلك إلى أبي الخطاب وسمع به من معه ، فتفرق كثير منهم . ثم أصبح ابن الأشعث فسار أميالاً متثاقلاً في سيره . وفعل ذلك في اليوم الثالث . ثم اختار أهل الجلد والقوة من جيشه ، وسار بهم ليله كله . فصبح أبا الخطاب وقد اختل عسكره . فلما التقوا ترجّل جماعة من أصحاب ابن الأشعث وقاتلوا . فانهزم البربر وقتل أبو الخطاب وعامة من معه ، وذلك في شهر ربيع الأول من سنة أربع وأربعين ومائة . فكانت عدة من قتل من البربر أربعين ألفاً .
ولما انتهى الخبر إلى عبد الرحمن بن رستم هرب إلى تيهرت واختطها وبلغ أهل القيروان خبر أبي الخطاب ، فأوثقوا عامل ابن رستم وولوا عليهم عمرو بن عثمان القرشي إلى أن قدم محمد بن الأشعث .
ووصل ابن الأشعث إلى طرابلس فاستعمل عليها المخارق بن غفار الطائي .
ووجه إسماعيل بن عكرمة الخزاعي إلى زويلة وما والاها ، ففتح تلك النواحي وقتل من بها من الخوارج .
وتوجه محمد إلى القيروان ، وأمر ببناء سورها ، وذلك في يوم السبت غرة جمادى الأولى . فبنى في ذي القعدة ، وكان تمامه في شهر رجب سنة ست وأربعين . وضبط إفريقية وأعمالها . وأمعن في قتل كل من خالفه من البربر فخافوه خوفاً شديداً وأذعنوا له بالطاعة .
ثم فسد عليه جنده بعد ذلك ، وتحدثوا أن المنصور كتب إليه يأمره أن يقدم عليه وأنه أبى ذلك . فاجتمع رأيهم إلى إخراجه وتولية عيسى بن موسى الخراساني . فلما رأى ذلك علم أنه لا طاقة له بهم . فخرج في شهر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة . وقام بأمر الناس عيسى بن موسى من غير أمر أبي جعفر ولا رضا العامة إلا أن قواد المضرية تراضوا به .