كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
وأتى البربر من كل مكان ، ومضوا إلى طبنة فأحاطوا بها وهم في اثني عشر عسكراً : أبو قرّة الصّفري في أربعين ألف فارس ، وعبد الرحمن بن رستم الإباضي في خمسة عشر ألف فارس ، وأبو حاتم في عدد كثير ، وكان إباضيا ، وعاصم السّدراتي الإباضي في ستة آلاف ، والمسور الزّناتي الإباضي في عشرة آلاف فارس ، وعبد الملك بن سكرديد الصنهاجي الصّفري في ألفي فارس ، وجماعة غير هؤلاء ، وليس مع عمر إلا خمسة آلاف وخمسمائة .
فلما رأى ما حل به جمع قواده فاستشارهم في مناجزتهم . فأشراروا عليه ألا يخرج من المدينة . فأعمل الحيلة في صرف الصّفرية ، ووجه إليهم رجلاً من أهل مكناسة يقال له إسماعيل بن يعقوب . ودفع إليه أربعين ألف درهم وكساً كثيرة ، وأمره بدفع ذلك إلى أبي قرة على أن ينصرف عنهم . فقدم عليه وعرض المال والكسا . فقال له : أبعد أربعين سنة يسلّم علي بالإمامة أبيع حربكم بعرض قليل من الدنيا ؟ لا حاجة لي به . فانصرف إلى ابنه وقيل إلى أخيه . ودفع إليه أربعة آلاف درهم وأثواباً على أن يعمل في صرف أبيه ورد الصفرية إلى بلدهم فعمل ذلك من ليلته . فلم يشعر أبو قرة حتى ارتحل العسكر منصرفين إلى بلدهم . فلم يجد بداً من اتباعهم .
فلما انصرف الصفرية وجه عمر معمر بن عيسى السّعدي في ألف وخمسمائة إلى ابن رستم ، وهو بتهوذا في خمسة عشر ألف فارس . فالتقوا فانهزم ابن رستم ووصل إلى تيهرت .
ثم أقبل عمر بن حفص يريد القيروان . واستخلف على طبنة المهنا بن المخارق بن غفار الطائي . فلما بلغ أبا قرة مسيره ، أقبل بجموعه وحصر المهنا بطبنة . فخرج إليه وقاتله . فانهزم أبو قرة واستباحوا عسكره . وكان أبو حاتم لما حصار القيروان أقام عليها ثمانية أشهر ، وليس في بيت مالها درهم واحد ولا في أهرائها شيء من الطعام . وكان الجند في تلك المدة يقاتلون البربر طرفي النهار حتى جهدهم الجوع ، وأكلوا دوابهم وكلابهم . فجعل الناس