كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
يخرجون فيلحقون بالبربر . فبلغ ذلك عمر فأقبل يريد القيروان في نحو سبعمائة من الجند حتى نزل مدينة الأربس فبلغ البربر إقباله ، فرجعوا إليه بأجمعهم ورحلوا عن القيروان . فلما بلغه إقبالهم توجه إلى ناحية تونس ، وأغذّ السير . ومضى البربر حتى صاروا بناحية سمنجة . وسار عمر من تونس وخرج جميل بن صخر من القيروان ، فالتقوا في بئر السلامة . ثم أقبل حتى دخل القيروان . فبث خيوله حول القيروان وجعل يدخل إليها ما يصلحه من الطعام والحطب وغير ذلك . واستعد للحصار ، وخندق خندقاً على باب أبي الربيع فعسكر فيه الجند .
ثم قدم أبو حاتم في جنوده وقد بلغوا مائة ألف وثلاثين ألفاً .
فقاتله عمر بمن معه أشد قتال . فانكشف حتى صار إلى الفسطاط . ثم اقتتلوا بالفسطاط واشتد قتالهم وكاثروه حتى انحاز إلى الخندق بباب أبي الربيع . وكان عمر يخرج إليهم في كل يوم ويقاتلهم فما زالوا على ذلك حتى فنيت أقواتهم وأكلوا دوابهم والسنانير . فاضطرب على عمر أمره وضجر أصحابه وساءت آراؤهم . فقال لمن معه من الجند : قد كان أصابكم من الجهد أمر عظيم حتى قدمت عليكم ففرج الله عنكم بعض ما كنتم فيه . وقد ترون ما أنتم الآن فيه . فإن شئتم خرجت أنا على ذراريهم وبلادهم . وجعلت عليكم أي الرجلين شئتم : جميلاً أو المخارق . وأخرج في ناس من الجند فأغير على نواحيهم وآتيكم بالميرة . فقالوا : قد رضيا . وكان قد اجتمع حول القيروان من الإباضية مع أبي حاتم ثلاثمائة ألف وخمسين ألفاً : الخيل منها خمسة وثلاثون ألفاً . فلما هم بالخروج ، اختلفوا عليه وقالوا : تحب أن تخرج ونبقى نحن في الحصار ، لا تخرج وأقم معنا . قال : نعم ، أقيم معكم وأخرج جميلاً والمخارق ومن أحببتم . قالوا : نعم . فلما جاءوا إلى باب المدينة قالوا : تقيم أنت في الراحة ونخرج نحن لا والله لا نفعل . فغضب عمر وقال : والله لأوردنّكم حياض الموت .
وجاءه وهو محصور كتاب خليدة بنت المعارك امرأته تخبره فيه : إن أمير المؤمنين قد استطأك فبعث يزيد بن حاتم إلى إفريقية ، وهو قادم في ستين ألفاً ، ولا خير في الحياة بعد هذا . قال خراش ابن عجلان : فأرسل إلى فجئته ، وقد ثار عرق بين عينيه وكان علامة غضبه . فأقرأني الكتاب فدمعت عنياي . فقال : مالك ؟ .