كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 45 """"""
فقلت : وما عليك أن يقدم رجل من أهلك فتخرج من هذا الحصار ؟ . فقال : إنما هي رقدة حتى نبعث إلى الحساب فاحفظ وصتي .
قال خراش : فأوصي بما أحب . وخرج كالبعير الهائج . فلم يزل يطعن ويضرب حتى قتل ، وذلك في يوم السبت للنصف من ذي الحجة سنة أربع وخمسين ومائة .
فلما قتل بايع الناس جميل بن صخر ، وهو أخو عمر لأمه . فلما طال عليه الحصار دعاه ذلك إلى موادعة أبي حاتم . فصالحه على أن جميلاً وأصحابه لا يخلعون طاعة سلطانهم ولا ينزعون سوادهم ، وعلى أن كل دم أصابه الجند من البربر فهو هدر ، وعلى أن لا يكرهوا أحداً من الجند على بيع سلاحهم ودوابهم . فأجابهم إلى ذلك أبو حاتم . ففتح جميل أبواب المدينة وخرج أكثر الجند إلى طبنة . وأحرق أبو حاتم أبواب المدينة وأثّر في سورها .
وبلغه قدوم يزيد بن حاتم فتوجه إلى طرابلس ، واستخلف على القيروان عبد لعزيز بن السّمح المعافري . ثم بعث إليه أبو حاتم يأمره بأخذ سلاح الجند ، وألا يجتمع منهم اثنان في مكان واحد ، وأن يوجه إليه بهم واحداً بعد واحد . فاجتمعوا واستوثق بعضهم من بعض بالأيمان المؤكدة أن لا يرضوا بهذا . وقويت قلوبهم بيزيد بن حاتم . فلقوا عمر بن عثمان الفهري واتفقوا معه وولوه أمرهم . فقبله وقام على أصحاب أبي حاتم فقتلهم . واتصل ذلك بأبي حاتم فزحف من طرابلس . فلقي عمر بن عثمان ومن معه . فاقتتلوا فقتل من البربر خلق كثير . ومضى عمر بن عثمان وأصحابه نحو تونس . ومضى جميل بن صخر والجنيد ابن سيار هاربين نحو المشرق . وخرج أبو حاتم في طلب عمر بن عثمان . ووجه قائداً من قواده يقال له جرير بن مسعود المديوني على مقدمته . فأدركه بجيجل من ناحية كتامة . فقاتلوه فقتل جرير بن مسعود وأصحابه . وانصرف عمر والمخارق فدخلا تونس ، ومضى أبو حاتم إلى طرابلس حين بلغه قدوم يزيد بن حاتم . ولحق جميل بن صخر بيزيد وهو بسرت . فأقام إلى أن لقي أبا حاتم .
فيقال : إنه كان بين الجند والبربر من لدن قتالهم عمر بن حفص إلى انقضاء أمرهم ثلاثمائة وخمس وسبعون وقعة .

الصفحة 45