كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 47 """"""
سنة سبعين ومائة في خلافة الرشيد . وكان كريماً شجاعاً نافذ الرأي ، بعيد الصيت ، غاية في الجود . وهو القائل :
لا يألف الدرهم المضروب خرقتنا . . . إلا لماماً قليلاً ثم ينطلق
يمر مرا عليها وهي تلفظه . . . إني امرؤ لم يحالف خرقتي الورق
وله أخبار بإفريقية تدل على كرمه وبعد همته . فمن مشهورها أن بعض وكلائه أتاه يوماً فقال : أعز الله الأمير أعطيت في الفول الذي زرعناه بفحص القيروان كذا وكذا . وذكر ما لا جليلاً . فسكت وأمر قهرمانه وطباخه أن يخرجا إلى ذلك الموضع . وأمر فراشيه أن يضربوا قبة ، فضربوا مضارب كثيرة . وخرج مع أصحابه فتنزه فيه وأطعم . فلما أراد الانصراف دعا بالوكيل وأمر بأدبه وقال له : يا ابن اللّخناء ، أردت أن أعيّر بالبصرة فيقال : يزيد بن حاتم باقلاني أمثلي يبيع الفول ، لا أمّ لك ؟ . ثم أمر بإباحته . فخرج الناس إليه من بين آكل وشارب ومتنزه حتى أتوا على جميعه .
ومن أخباره المشهورة أنه خرج متنزهاً إلى منية الخيل ، فنظر في طريقه إلى غنم كثيرة . فقال : لمن هذه ؟ قالوا : لابنك إسحاق . فدعا به فقال له : ألك هذه الغنم ؟ . قال : نعم . قال : لم أردتها ؟ . قال : آكل من خرافها وأشرب من ألبانها وأنتفع بأصوافها . قال : فإذا كنت أنت تفعل هذا ، فما بينك وبين الغنامين والجزارين فرق . وأمر أن تذبح وتباح للناس . فانتهبوها وذبحوها وأكلوا لحومها . وجعلوا جلودها على كدية ، فهي تعرف بكدية الجلود .
وله مكارم يطول شرحها رحمه الله تعالى .
ذكر ولاية داود بن يزيد بن حاتم
قال : ولما مرض يزيد استخلف ابنه داود ، فاستقل بالأمر بعده فانتقض عليه البربر بجبال باجة ، وخرج صالح بن نصير النّفري في الإباضية . فلقيه المهلّب بن يزيد بباجة . فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة . فوجه إليهم داود سليمان بن الصّمّة بن يزيد بن حبيب ابن المهلب في عشرة آلاف فارس . فهزم البربر وتبعهم وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف ، وسلم الجند . قال : وانضم إلى صالح ابن نصير جماعة من مشيخة البربر . فزحف إليهم سليمان بن الصمة فقتل من أهل البصائر منهم وانصرف إلى القيروان .

الصفحة 47