كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 54 """"""
قال : ودام محمد بن مقاتل في القيروان إلى أن عزله الرشيد واستعمل إبراهيم بن الأغلب ، على ما نذكره في أخبار دولة بني الأغلب إن شاء الله تعالى .
ذكر ابتداء دولة بني الأغلب
هذه الدولة أول دولة قامت بإفريقية وجرى عليها اسم الدولة . وكان من قبلهم عمالاً إذا مات أحد منهم أو صدر منه ما يوجب العزل ، عزله من يكون أمر المسلمين إليه من الخلفاء في الدولة الأموية والعباسية . فلما قامت هذه الدولة كانت كالمستقلة بالأمر . وإنما كانت ملوكها تراعى أوامر الدولة العباسية ، وتعرف لها حق الفضل والأمر ، وتظهر طاعة مشوبة بمعصية . ولو أرادوا عزل واحد منهم والاستبدال به من غير البيت لخالفوهم . وصار ملوك هذه الدولة يوصون بالملك بعدهم لمن يرونه من أولادهم وإخوتهم ، فلا يخالفه قوادهم ولا يراعون أهلية من يوصى إليه بل يقدمونه على أي صفة كان مستحقاً أو غير مستحق . وسنذكر من أخبارهم ما يدل على ذلك . وكان عدة من ملك منهم أحد عشر ملكاً . ومدة أيامهم مائة سنة واثنتي عشرة وأياماً . وأول من ملك منهم إبراهيم بن الأغلب .
ذكر ولاية إبراهيم بن الأغلب بن سالم ابن عقال بن خفاجة التميمي
قال : لما كان من أمر إبراهيم بن الأغلب ما ذكرناه ، من نصرته لابن المكي وإخراجه تمام بن تميم وإعادة العكي ، كتب يحيى بن زياد صاحب البريد بالخبر إلى هارون الرشيد . فقرأ الكتاب على أصحابه ، وقال لهرثمة بن أعين : أنت قريب العهد . فقال : يا أمير المؤمنين ، قد سألتني في مقدمي منها عن طاعة أهلها ، وأخبرتك أنه ليس بها أحد أفضل طاعة ولا أبعد صيتا ولا أرضى عند الناس من إبراهيم . ثم صدق قولي قيامه بطاعتك . فأمر الرشيد بكتابة عهده على إفريقية . فلما وصل إليه العهد ، أرسل إلى ابن العكي : أقم ما شئت حتى تتجهز .
فأقام أياماً ثم رحل إلى طرابلس . فوافاه حماد السعودي بكتابين قدم بهما إلى إفريقية على العادة . فافترى ابن العكي كتاباً ثالثاً بعزل إبراهيم وولايته وبعث به إلى القيروان . فلما قريء على الناس قالوا لإبراهيم : أقم بمكانك واكتب إلى أمير المؤمنين ، فإن ابن العكي اختلق هذا زوراً ، ولم يكافئك على نصرتك له وحقنك دمه . فقال : والله لقد ظننت ظنكم وإنما اجترأ ابن العكي على الثغر لموضعه من

الصفحة 54