كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 57 """"""
إفريقية قبله أحد من الأمراء أعدل منه سيرة ولا أحسن سياسة ، ولا أرفق برعية ، ولا أضبط للأمر . وكان كثير الطلب للعلم ، والاختلاف إلى الليث بن سعد . وله أخبار حسنة وآثار جميلة ، رحمه الله تعالى .
ذكر ولاية أبي العباس عبد الله ابن إبراهيم بن الأغلب
قال : لما مات إبراهيم بن الأغلب ، صار الأمر بعده إلى ابنه أبي العباس عبد الله ، وكان إذ ذاك بطرابلس ، فقام له أخوه زيادة الله بالأمر ، وأخذ له البيعة على نفسه وأهل بيته وجميع رجاله . وقدم عبد الله من طرابلس في صفر سنة سبع وتسعين ومائة . فتلقاه الله وسلم إليه الأمر .
قال : فحمل عبد الله في ولايته على أخيه زيادة الله حملاً شديداً وتنقصه ، وأمر بإطلاق من كان في حبسه . وزيادة الله مع ذلك يظهر له التعظيم والتبجيل . وأراد عبد الله أن يحدث جوراً عظيماً على الرعية فأهلكه الله عز وجل قبل ذلك . وكان قد أمر صاحب خراجه أن لا يأخذ من الناس العشر ، ولكن يجعل على كل زوج تحرث ثمانية دنانير أصاب أم لم يصب . فاشتد ذلك على الرعية وسألوه فلم يجب سؤالهم . وقدم حفص بن حميد الجزري ، ومعه قوم صالحون من أهل الجزيرة وغيرها . فأستأذنوا على أبي العباس فأذن لهم . فدخلوا عليه - وكان من أجمل الناس - فكلمه حفص ابن حميد فكان فيما قال له : أيها الأمير ، اتق الله في شبابك ، وارحم جمالك وأشفق على بدنك من النار . ترى على كل زوج بحرث به ثمانية دنانير . فأزل ذلك عن رعيتك ، وخذ فيهم بكتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) . فإن الدنيا زائلة عنك كما زالت عن غيرك . فلم يجبه إلى شيء مما أراد . وتمادى على سوء فعله وأظهر الاستخفاف بهم . فخرج حفص بن حميد ومن معه فتوجهوا نحو القيروان . فلما صاروا بوادي القصارين قال لهم حفص : قد يئسنا من المخلوقين فلا نيأس من الخالق . فسألوا الله وتضرعوا إليه ، فدعوا الله على أبي العباس أن يمنعه مما أراده بالمسلمين ويكف جوره عنهم . ثم دخلوا مدينة القيروان ، فخرجت لأبي العباس قرحة تحت أذنه فقتلته في اليوم السابع من دعائهم واسود لونه . وكانت وفاته ليلة الجمعة لست خلون من ذي الحجة سنة إحدى ومائتين . فكانت مدة ولايته خمس سنين وشهراً واحداً وأربعة عشر يوماً .

الصفحة 57