كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
ذكر ولاية زيادة الله ابن إبراهيم بن الأغلب
قال : ولما توفي أخوه أبو العباس صار الأمر إليه بعده . وهو أول من سمّى زيادة الله . وكذلك هبة الله بن إبراهيم بن المهدي ، هو أول من سمى هبة الله .
قال : ولما ولي زيادة الله أغلظ على الجند ، وأمعن في سفك دمائهم ، واستخف بهم ، وحمله على ذلك سوء ظنه بهم لتوثّبهم على الأمراء قبله وخلافهم على أبيه مع عمران بن مجالد . وكان أبوه أغضى عن كثير من زلاتهم وصفح عن إساآتهم فسلك زيادة الله فيهم غير سبيل أبيه . وكان أكثر سفكه وسوء فعله إذا شرب وسكر . فخرجوا عليه . وكان الذي هاجهم على الخروج عليه أنه ولي عمر بن معاوية القيسي ، وكان من شجعان الجند ورؤسائهم وأهل الشرف منهم ، على القصرين وما يليهما . فتغلب على تلك الناحية وأظهر الخلاف عليه . وكان له ولدان يقال لأحدهما حباب والآخر سكنان . فوجه إليه زيادة الله موسى مولى إبراهيم المعروف بأبي هارون ، وكان قد ولاه القيروان . فخرج إليه وحاصره أياماً . فلما ضاق به الأمر ألقى بيده ونزل معه . وسار إلى زيادة الله هو وولداه . فلما قدموا عليه حبسهم عند غلبون ابن عمه . ثم نقلهم إلى حبسه من يومه وقتلهم .
فلما بلغ منصور بن نصر الطّنبذي وهو من ولد دريد ابن الصّمّة ذلك ساءه ، وكان على طرابلس . فقال : يا بني تميم ، لو أن لي بكم بوة أو آوي إلى ركن شديد . فكتب صاحب الخبر بكلامه إلى زيادة الله . فعزله واستقدمه ، فقدم . وكان غلبون معتنياً به فأصلح أمره عند الأمير زيادة الله ، فخلى عنه . فأقام أياماً يتردد إلى زيادة الله حتى ذهب ما بقلبه عليه . ثم استأذنه في الوصول إلى منزله فأذن له . فخرج إلى تونس ، وكان له بأقيم المحمدية قصر يقال له طنبذة ، وبه لقب الطنبذي ، فنزل به . وجعل يراسل الجند ويذكر لهم ما يلقون من زيادة الله وما فعل بعمر بن معاوية وابنيه ، ويخوفهم أن يفعل بهم وبأولادهم كفعله بعمر .
فبلغ ذلك زيادة الله فعرض الجند على عادته . ثم دعا محمد ابن حمزة فأخرجه في خمسمائة فارس بالسلاح كما عرضوا بين يديه . وقال له : امض إلى تونس فلا يشعر منصور إلا وقد أخذته ومن معه ، واقدم به موثقاً . فخرج ابن حموة حتى أتى تونس فلقي منصوراً غائباً بقصره ، فنزل في دار الصناعة . ووجه إلى منصور شجرة بن عيسى القاضي وأربعين شيخاً من أهل تونس ، يرغبه في الطاعة ويدعوه إلى إتيانه .